- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ما يميز ثورة عاشوراء خمسٌ على الأقل
بقلم: علي الراضي الخفاجي
في عاشوراء تمتزج الأصوات وتختلط الدموع وتختنق العبرات، وكأنَّ الجميع يتنفسون برئة واحدة قد مزقتها الحسرات على ما وقع فيه من فاجعة ألهمت الشعراء وألهبت مشاعر الشرفاء، ممَّا جعله يُؤسِّسُ لمدرسة مصدرها الوحي الإلهي ومنهجها نبوي، منهجٌ تفتقر إليه كل المدارس التي تهتمُّ بفكر الإنسان وفلسفة حياته، ففي دنيا الإسلام يكفي أنَّ عاشوراء علَّم الأجيال (إسلام على منهج النبوة) وليس إسلاماً يقتل الآخر، (إسلاماً حيوياُ) وليس إسلاماً بلا حياة، فحينما توجَّه بطل ملحمة عاشوراء عليه السلام بحركته النبوية نحو كربلاء قاطعاً مناسك الحج إلى ماهو أهمُّ وأعظم؛ لكي يحفظ بيضة الإسلام ويعطي الحجَّ بُعداً آخر لايفهمه من اكتفى بأداء الفروض والتزم بالطقوس دون النظر في أبعادها الأخرى، ولكي يبقى الإسلام خالداً والقرآن ناطقاً اقتضى ذلك كله أن يكون ثمن هذا الخلود والامتداد دماً زكياً يحمل إرث الأنبياء فكان دمه الأزكى يومذاك.
ذلك ماجعل عاشوراء ليس حدثاً عابراً أو يوماً عادياً، إنما يومٌ شهد له أهل السماء وظلَّ يتحدثُ به أهلُ الأرض وسيظلون حتى تقوم الساعة، كما أصبح كتاباً يتعلَّمُ منه الموحِّدون روح العبادة وجوهر التوحيد.
ولأنَّ ملحمة عاشوراء كانت سيدة الملاحم على الإطلاق، فإنَّ هناك ميزاتٌ تمنع مساواتها ببقية الملاحم والثورات والأيام والحوادث، وتأبى كلَّ محاولات التفريغ من المحتوى الثرِّ والالتفاف على أهدافها وجعلها سياسية بحتة؛ لأجل تبرير مواقف المعسكر الثاني أو تصحيح مسيرة السلطة الدنيوية الحاكمة آنذاك، وهذه الميزات خمسٌ على الأقل، وهي:
1- ارتباطها الغيبي الذي جعلها غنية بالمعاني السامية، وصيَّرها أن تعطي ولاتأخذ، وما يقوم به الناس من استذكار وإظهار للحزن والتفجُّع ماهو إلا حاجتهم للتزود من دائرتها الغنية بالأسرار والقيم والمبادئ، فهي أشبه بكتاب الله عزَّ وجل الذي أودع الله سبحانه فيه كلَّ معاني الجمال وأسباب الكمال التي يفتقر إليها الإنسان، فما يقوم به القارئ من قراءة ومراجعة ليس إلا افتقاراً إلى ينابيعه التي لاتنضب.
2- قدسية بطلها، فما يحمله الإمام عليه السلام من طهر وعصمة وإرث نبوي جعل القدسية تحيط بالملحمة من كل مكان.
3- قوة ذاتية متجددة منحتها الامتداد عبر الزمان والمكان، سمَّاها الإمام الحسين عليه السلام بـ(الفتح).
4- الصدق في مواقف رجالها، فمنْ أقدم على نصرته لم يتراجع، بل أقدم على الشهادة بعقيدة راسخة وبصيرة ثاقبة.
5- أدبياتها الفريدة التي تعجز الأقلام عن وصفها والعقول عن معرفة كنه أسرارها.
أقرأ ايضاً
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!