يشهد العراق منذ سنين طويلة أزمة سكن خانقة على الرغم من المدن والمجمعات السكنية التي جرى ويجري تشييدها في بغداد والمحافظات الأخرى، إلا أنها لم تعالج الأزمة وتنتشل عشرات آلاف العوائل التي تسكن العشوائيات، يرافق ذلك ارتفاع حاد في أسعار العقارات لتصل بعضها إلى أرقام خيالية لا تتناسب مع طبيعة بعض المناطق التي تفتقر لجانب من الخدمات الأساسية، وخاصة في محافظة بابل.
ويرى مختصون أن استمرار أزمة السكن على مدى العقدين الماضيين، والارتفاع الكبير في أسعار العقارات سببه عدم وجود خطط وبرامج حكومية تأخذ بعين الاعتبار التنامي السكاني والأوضاع الاقتصادية، مشيرين أيضا إلى أن عمليات غسيل الأموال المتأتية من الفساد المالي أحد أسباب الصعود المتواصل في أسعار العقارات.
وبهذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، إن “العراق لا يمتلك سياسة عقارية من شأنها أن تراعي الزيادة السكانية والحالة الاجتماعية، فاليوم المجتمع العراقي يرفض تعدد العوائل في المنزل الواحد، وبالتالي هناك تزايد في الطلب على العقارات”.
ويضيف حنتوش، “ليس هناك سياسة في توزيع الأراضي والوحدات السكنية تتجه نحو أطراف المدن، كذلك عدم اعتماد نظام المساطحة العقارية مع الوحدات السكنية التي استحدثها المواطنون دون الرجوع للدولة”.
ويشير إلى أن “فقدان المواطن الثقة بالدينار العراقي جراء تذبذب أسعاره أمام الدولار الأمريكي، هذا ما دفع إلى استثمار المواطن أمواله في شراء العقارات، وكذلك عمليات غسيل الأموال من قبل المسؤولين الفاسدين، كل هذه العوامل لعبت دورا في ارتفاع أسعار العقارات، وفي حال معالجة هذه الأمور فإن الأسعار ستهبط فما يحدث حاليا هو تضخم وفقاعة لا أكثر”.
ووفقا لبيانات شركة “ستاتيستا” المختصة بالعقارات، فقد احتل العراق المركز الرابع عربيا بسوق العقارات خلال العام 2024 من بين 14 دولة، وجاءت بالمركز الأول بقيمة متوقعة 2.100 مليار دولار وبنمو 2 بالمئة، تليها المغرب ثانيا بقيمة متوقعة 1.630 مليار دولار بنمو 4 بالمئة، ومصر ثالثا بسوق العقارات العربية بقيمة متوقعة 1.450 مليار دولار، وجاء العراق رابعا بقيمة متوقعة 1.120 مليار دولار بنمو 6 بالمئة، فيما تذيلت عمان والبحرين الجدول بسوق العقارات عربيا بـ325 مليون دولار بنمو متوقع 4 بالمئة، و85 مليون دولار بنمو متوقع 4 بالمئة على التوالي.
بدوره يرى الصحفي عيسى العطواني من بابل، أن “أسعار العقارات في بابل وبغداد وغيرها من المحافظات ليست طبيعية بل مضاعفة فنجد مثلا أسعار العقارات في العاصمة البريطانية لندن ودبي الإماراتية وعواصم الدول المتقدمة أسعار حقيقية، لكن عندما مقارنتها بالأسعار في مدينة الحلة التي تفتقر لأبسط الخدمات ومقومات العيش نجدها خيالية”.
ويتابع “عواصم ومدن العالم المعروفة بارتفاع أسعار عقاراتها تعد أقل في بعض الأحيان من أسعار العقارات في بعض المناطق العراقية، لذلك أسعارنا ليست حقيقية والسبب هو عدم وجود حلول لأزمة السكن وأيضا عمليات غسيل الأموال فبعد أن قامت حكومة السوداني بحصر الأموال ومنع مغادرتها البلاد اتجه الفاسدون والسارقون لشراء العقارات بشكل غير مسبوق وبأسعار مرتفعة لتبييض هذه الأموال”.
ويلفت إلى أن “هذه العوامل جعلت المواطن العراقي الشريف الذي لا يسرق المال ولا تمتد يده لمال الفساد، ضحية لغسيل الأموال وغياب سياسة الإسكانية”.
وكانت وزارة العدل قد أعلنت في 9 نيسان 2023، عن استحداث شعبة في دائرة التسجيل العقاري لمتابعة عمليات غسيل الأموال مع الجهات المعنية لأن إحدى عمليات غسيل الأموال هي شراء العقارات وبيعها، وهذه العملية مشخصة من قبل اللجنة المعنية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء المختصة بغسيل الأموال، مبينة أن الشعبة ستقوم بجمع البيانات وتحديد أسعار العقارات ضمن الآلية المعتمدة وترسل تلك المعلومات من دون تأخير أو تعقيد في هذا الجانب إلى البنك المركزي العراقي واللجنة المختصة بعملية غسيل الأموال.
وأكدت الوزارة أن لديها تسعيرة في دائرة التسجيل العقاري بحسب المنطقة والموقع ونوع البناء وهذه الأسعار دائما في عملية تغيير مع ارتفاع أسعار العقارات ليتم تحديثها من قبل اللجان المختصة في الوزارة.
من جانبه، يبين أبو محمد، صاحب مكتب عقار في مدينة الحلة، أن “شراء منزل أو شقة أصبح حلما صعب المنال بالنسبة للعديد من المواطنين العراقيين حيث أن الاستثمار في العقارات أحد أكثر الاستثمارات في العراق، ممّا أدى إلى زيادة الطلب”.
ويتابع “كما أن تراجع قيمة الدينار العراقي أمام الدولار والنمو السكاني وغياب التخطيط الحكومي، كل هذه العوامل أدت إلى تفاقم مشكلة الفقر، حيث يضطر المواطنون إلى إنفاق نسبة كبيرة من دخلهم على الإيجار أو شراء منزل”.
ويلفت إلى أن “المسؤولين الفاسدين يتجنبون إيداع أموالهم في المصارف خشية كشفها ضمن برنامج من أين لك هذا، لذلك يلجأون إلى شراء العقارات فهو الخيار الأمثل لأصحاب الأموال، حيث وصل سعر المتر المربع الواحد في بعض مناطق الحلة إلى أكثر من ثلاثة ملايين دينار مع أنها مدينة منكوبة لا تتوفر فيها أبسط مقومات العيش”.
وكان عضو لجنة النزاهة البرلمانية باسم خشان، قد أكد خلال تصريح سابق، أن هناك الكثير من أموال الفساد والكسب غير المشروع يتم إدخالها بعمليات غسيل عبر شراء العقارات الثمينة وهي طريقة اعتمد عليها الكثير من الفاسدين خلال السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن الكثير من المتهمين بـ”سرقة القرن” عملوا على غسيل أموال الفساد والسرقات عبر شراء العقارات في مناطق مختلفة من العراق.
يذكر أن المتهم الأبرز بقضية “سرقة القرن” نور زهير، اشترى بالأموال التي كانت بحوزته داخل العراق والبالغة أكثر من 55 مليون دولار عقارات في بغداد، لكن بما أنه لم يكمل إجراءات تحويلها باسمه قبل عملية القبض عليه قام بفتح بيانات بها في التسجيل العقاري مع البائعين فقط ولم تصل عملية البيع إلى مرحلة التقرير النهائي.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- ارتفاع أسعار النفط.. منافع آنية ومخاطر محتملة
- مزرعة للألواح الشمسية من 7500 دونم في بابل.. هل تنقذها من أزمة الكهرباء؟
- بابل تخلو من المساحات الخضراء والمتنزهات تغلق أبوابها أمام العوائل