انحنت ظهورهم بعد ان بلغوا من العمر عتيا واتكأوا على ما تبقى لهم من العمر، ليستمروا بعشقهم للحسين، عجزت اطرافهم ولكن قلوبهم ومهجهم وارواحهم مشدودة الى الطف ومصيبتها، انهم شيبة محافظة البصرة الذين اصر احدهم على اكمال المسير من البصرة (510) كيلومتر جنوب العراق، الى كربلاء المقدسة رغم تعبه وعجزه وقواه الخائرة، واعتاد الآخر على المسير يوميا لمدة ثلاث كيلومترات، من داره الى طريق الزائرين في محافظة البصرة ثم يجلس قرب احد المواكب فيبكي او يواسي او يملئ عينيه بصور المسيرة المليونية الاربعينية ليشعر انه شارك في مواساة الحوراء زينب والسجاد والسبايا.
اصرار على المسير
سار الشايب "حمزة عباس الاسدي" ( مواليد 1948) بطيئا من داره في منطقة الحيانية حتى وصل الى منطقة كرمة علي ليجلس على كرسي امام موكب حسيني، ويقول لوكالة نون الخبرية انه" من سكنه منطقة الحيانية منذ تأسيسها، وانه شارك في تأدية الشعائر الحسينية منذ نعومة اظفاره حيث كانت منطقة الحيانية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي تعج بالشعائر الحسينية، وكان من اشهر المواكب هي مواكب عشائر الشويلات والجبور، وكانت تعقد مجالس المحاضرات واللطم والتشابيه، وكنت اشارك بها واتذكر الرادود رحيم الذي كانت مجالسه تغض بالمعزين، وانا منذ (13) عام اسير سنويا الى مدينة كربلاء المقدسة واخرج من داري بمفردي عندما كنت في العقد الستيني من العمر وكانت صحتي تجعلني اسير دون اية عقبات والتحق بالمشاية من ساحة سعد في مركز محافظة البصرة، وكان التعب لا يؤثر بي لان الوصول الى ضريح ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) هو غايتي، وكان لي اخ واحد اعدم على يد النظام الظالم المباد، وانا متزوج ولي ذرية من البنات فقط، وليس لي علاقات مع اصحاب المواكب لأبيت عندهم بل استفاد في مسيري من خدماتهم لأواصل المسير".
تغيير الوقت
وهذا العام غيرت وقت المسير من النهار الى الليل بسبب شدة الحرارة وارتفاع الرطوبة، هكذا يصف الشايب حالته ويكمل بالقول" ابيت في المواكب في النهار واسير من قبل صلاة المغرب الى الليل، وانطلقت اليوم عصرا ورغم شعوري بالتعب الشديد خاصة عند صعودي للجسر، الا اني اصر على اكمال المسيرة لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، الذي يمثل لي المعين والدافع لنصرة قضيته واحياء شعيرة عودة السبايا، وقد تأثر بي الكثير من الزوار وسمعت منهم الكثير من عبارات الترحيب والتشجيع وهو يخلق عندي العزيمة والشجاعة لاكمال المسير، وانا على عهدي مع نفسي لأصل الى كربلاء المقدسة، كما فعلتها في العام الماضي وكأني لا أشعر بالتعب لان حب الحسين يمدني بالعون، وتعلمت كل ذلك من ابي وامي واهلي الذين كانوا يعشقون الحسين، وحتى ايام المنع في زمن النظام المباد كنت اذهب بالسيارات ولا انقطع عن الزيارة، وفي الايام الاعتيادية ليس لي طاقة على طول المسير والمشي الا في تلك الايام الحزينة، وكنت اعمل حارسا عند صاحب ارض، وحاليا ان عاطل واسكن في دار ايجارها (300) الف دينار، واعيل زوجتي وبناتي الاثنين واعيش على راتب تقاعدي مقداره (400) الف دينار، وعندي القناعة بان الله هو الرزاق ولا ينسى عبده".
موكب البقالين
يسكن "ابو ميثاق" الشايب فيصل رحيم (70) عاما في منطقة الجمعيات بمحافظة البصرة وتعرف على الشعائر الحسينية وعمره ثماني سنوات، ويشير الى وكالة نون الخبرية ان" موكب البقالين في منطقة العشار كان من المواكب المشهورة في البصرة، وكنت اشارك معهم في مواكب الزنجيل واللطم والتشابيه، وكنا نذهب بكامل افراد عائلتنا، ونزور كربلاء سيرا على الاقدام في سبعينيات القرن الماضي، ثم تعرضت لحادث كسر في رجلي فاصبحت الآن اسير لمسافة (3) كيلومترات من داري في منطقة الجمعيات الى جسر الكزيزة، ثم اجلس لاشاهد المواكب وهي تسير من البصرة نحو كربلاء الشهادة، لأشعر بأني شاركت في العزاء الحسيني لأواسي الحوراء زينب وعلي السجاد والسبايا والعيال، وعلمت اولادي الاربعة واحفادي على حب الحسين ولديهم الآن موكب خدمة حسيني يقيمونه كل عام لخدمة الزائرين نصبوه وتعلم اولادهم من بعدهم، واشعر براحة نفسية عند جلوسي على طريق مسيرة المشاية".
قاسم الحلفي ــ البصرة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- ما هي خفايا العقد رقم "1" مسؤول تربوي بكربلاء : شركات حكومية هدمت المدارس وتسلمت اموال عقودها وتركتها
- شبكات متكسرة منذ عقود :مجاري ازقة في قطاع (52) بمدينة الصدر تعاني الانسداد والطفح دون حلول(صور)
- حرق الغاز في العراق.. لن تنهيه "العقود الكبيرة"