لا تصدق عينيك وانت ترى "عباس" الصبي اليافع بعمر الورد يصر على افتتاح موكب حسيني في مركز البصرة الذي تتلاصق المواكب فيه بشكل لا تنفذ منه ابرة الخياط، حاول وبحث لسنوات ولم يجد سبيلا لتحقيق حلم حياته، بالرغم من انه ينصب موكبا حسينيا امام باب داره البعيد عن طريق سير الزائرين، واعاد الكرة الآن فلم يجد مكانا للخدمة بين المواكب، فجلس على الرصيف يبكي بحرقة واخلاص نية وانتبه له صاحب الموكب الذي جلس امامه، فعطف عليه وجاءه مستفسرا فاخبره بحلمه وحزنه وخيبة ظنه، فطبطب على كتفيه وقال له كفكف دموعة وسأعطيك مساحة صغيرة لتخدم فيها، وبالرغم من ان المساحة لا تتعدى مترين مربعين، الا ان فرحة الصبي واهله كانت كبيرة جدا، مثل فرحته بتفوقه الدراسي واعفائه ببعض الدروس، وفرحته وهو يساعد الفقراء والايتام في المؤسسة الخيرية التي يخدم بها مجانا.
تحقق الحلم
بحثت كثيرا عن مكان في الشارع الرئيس الذي تسير به المشاية نحو كربلاء المقدسة لأخدم فيه الحسين (عليه السلام) لان خدمته واجب علينا، هكذا يصف الصبي عباس حيدر جواد حالته لوكالة نون الخبرية، ويضيف "عجزت عن ذلك وكنت احضر الدروس الفقهية في حسينية المجتبى منذ كان عمري ثماني سنوات، وأثرت في ذهني الدروس الفقهية ومؤسسة الايتام التي اعمل بها للتعلق بحب الحسين (عليه السلام)، والرغبة في خدمته لان افضل وسيلة للوصول الى الله هو الحسين وانا الآن في الصف الثاني المتوسط وحصلت على اعفاء ببعض الدروس، وبالرغم من اني بدأت الخدمة الحسينية منذ سنوات عبر وضع صندوق خشبي لجمع التبرعات امام باب دارنا في منطقة حي الحسين، اضع فيه اول شيء مصروفي اليومي، وانشأت اول موكب حسيني عام (2018) لكن في منطقة لا يمر بها الزوار، وكنت اوزع السندويشات والعصائر والمياه وكان موكبنا بسيط ومشيد من الخشب وجمعت المال وطورته وجعلته من الحديد والجادر، وكان حلم حياتي ان اخدم في طريق المشاية، وهذا العام بحثت لأيام عن مكان للخدمة من بداية المسير من ساحة سعد الى جسر الكزيزة، فتعبت من السير وضاقت نفسي وجلست في هذا المكان ابكي بحرقة لفقدان الامل، فجاء صاحب الموكب الذي جلست امامه وعطف علي وكفكف دموعي واعطاني مساحة لا تتعدي مترين مربعين، ونصبت علها موكب قطيع الكفين وتحقق حلمي وقدمت الخدمة للمشاية".
ام تدعم ولدها
وقفت "ام عباس" مع اولادها وبناتها الصغار يدعمون عباس في موكبه في اول موسم لله بالخدمة على طريق الزوار في البصرة، وتسرد ما حصل مع ابنها لوكالة نون الخبرية بالقول ان "ولدي عباس طلب مني ان ينقل الخدمة من باب دارنا الى طريق المشاية، فحاولت افهامه ان الامر صعب المنال، لكنه اجابني "ان الحسين معنا" فعلمت ان له اصرار واخلاص نيه وستسهل عليه الامور، ووافقت على الامر وذهب للبحث عن مكان، وكنت ادعو له يوميا وابكي لكي يحقق حلمه وكنت اخاف عليه لصغر سنه ولكنه عندما قرأ سورة الفاتحة واهدى ثوابها للسيدة الجليلة ام البنين شاهدت الاصرار في عينيه وعلمت ان حلمه سيتحقق، وما ان عاد الي حتى بشرني بالحصول على مكان غمرتني فرحة عارمة بالرغم من حزن المناسبة وبكيت فرحا، فقدمت له كل الدعم وجمعت له الاموال من سيدة ميسورة تقدم الدعم لكل مشاريع الخير، وجلبت له اموال من اخواتي وساعدته في نقل معدات الموكب ونصبها وتقديم الطعام والشراب، وهذا هو اليوم الثالث الذي يقدم فيه عباس الخدمات الى المشاية، ونقدم السندويشات والعصائر واللبن والحلويات، وهذا العام غير المشاية اوقات سيرهم فاصبحنا نقدم الخدمة الحسينية من العصر الى الساعة الواحدة ليلا، بسبب الالتزامات العائلية وابنائي الثلاثة وبناتي الاثنتين الذين اصطحبهم معي للموكب لمساعدة عباس، ونحرص انا وزوجي على تربية اولادنا على حب الحسين (عليه السلام)، ونهجه فهو الطريق الآمن لتربية ترضي الله ورسوله، وزوجي مدير مؤسسة بر الوالدين الانسانية واعمل معه ومعنا ولدنا عباس لنخدم الايتام والفقراء".
قاسم الحلفي ــ البصرة
تصوير: عمار الخالدي ــ محـمد الخفاجي
أقرأ ايضاً
- فاطمة عند الامام الحسين :حاصرتها الامراض والصواريخ والقنابل.. العتبة الحسينية تتبنى علاج الطفلة اللبنانية العليلة "فاطمة "
- العتبة الحسينية اقامت له مجلس عزاء :ام لبنانية تلقت نبأ استشهاد ولدها بعد وصولها الى كربلاء المقدسة
- بركات الامام الحسين وصلت الى غزة ولبنان :العتبة الحسينية مثلت العراق انسانيا(تقرير مصور)