- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شعار يا حسين في ركضة طويريج... صرخة المظلوم بوجه الظالم
حجم النص
بقلم:حسن الهاشمي
ان منظر هذه الجموع البشرية وهي تزحف نحو الضريح الشريف وصوتها الهادر بالنداء يا حسين يا حسين وهو يشق عنان السماء ويظهر المحبة والوجد لآل البيت عليهم السلام، يجعل المرء يشعر بروحانية الموقف وعظمة المناسبة، ويستحيل على الانسان ان يوقف زحف دموعه على وجنتيه فهي تنسكب مدراراً ولا إراديا على ما حل بحبيب المصطفى وريحانته وقرة عين البتول في رمضاء كربلاء.
وكأن هذه الحشود جاءت لنصرة الحسين عليه السلام ولكنها وصلت متأخرة ولم تستطع الوصول قبل مصرع الامام، لذلك يلطمون على الرؤوس وينادون يا حسين يا حسين فينطلقون من طويريج إلى قنطرة السلام مروراً بشارع الجمهورية فشارع الامام الحسين ثم يدخلون إلى الضريح الشريف للإمام الحسين من باب القبلة ويخرجون من الباب المقابل لمرقد ابي الفضل العباس، فيجتازون منطقة بين الحرمين إلى ضريح ابي الفضل العباس وعند خروجهم من الضريح تكون قد انتهت هذه الممارسة الحسينية العظيمة.
طويريج هي أحد الأقضية التابعة لمحافظة كربلاء وتبعد عن كربلاء 22 كيلو متراً، ولعل التسمية جاءت تصغيرا لكلمة طريق في اللغة الدارجة، ولكون الركضة تبدأ من هذا القضاء فسميت الممارسة بركضة طويريج، والكثير من المعزين يلتحقون بالركضة من قنطرة السلام التي تبعد حوالي خمسة كيلومترات عن مركز المحافظة، وتبدأ بعد أذان الظهر بالضبط وهو الوقت الذي يسقط فيه الامام صريعاً على رمضاء كربلاء.
ركضة طويريج هي ركضة أنشأها العلامة السيد صالح ابن الامام فقيه عصره السيد مهدي بن حسن بن احمد الحسيني الشهير بالقزويني رحمه الله، والمرزا صالح المتوفى سنة (1304هـ) هو ثاني أنجال الامام السيد مهدي الحسيني القزويني وأحد اقطاب النهضة العلمية والادبية بالحلة في الشطر الأخير من القرن الثالث عشر الهجري، يرجع نسبه إلى محمد بن زيد الشهيد ابن الامام زين العابدين علي بن أبي عبد الله الحسين ابن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليهم السلام)، وأمه هي بنت العلامة الشيخ علي ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء، ولقب (المرزه) اقترن به وباخيه الأكبر السيد جعفر دون اخويهما، وأطلق هذا اللقب عليهما من قبل الحكومة العثمانية، فقد كانت الكتب تأتي اليهما حاملة اللقب المذكور، ومن هنا حصل وجه الشهرة به.
ولد السيد صالح بالحلة اوائل سنة 1257هـ/1841م ونشأ بها فدرس بعض المقدمات فيها ثم عزم الى النجف الاشرف حيث حضر على شيخ الطائفة الشيخ مرتضى الأنصاري في الفقه والاصول وأجيز بالاجتهاد من والده الفقيه السيد مهدي، وبعد وفاة ابيه سنة 1300 هـ /1883م تصدى للبحث والتدريس في بناية المقبرة العائدة لأسرته فكانت تكتظ ساحتها وتضيق غرفها بالطلاب والمشتغلين.
إن السيد صالح القزويني من كبار علماء عصره، وهو اول من سكن طويريج وأول من عمر بها، كان بيت المرزا صالح في طويريج يحفل بجمهرة كبيرة من أهالي البلد وغيره في أيام محرم الحرام من كل عام مشاركة في إقامة المآتم بذكرى استشهاد الامام الحسين(عليه السلام) وفي اليوم العاشر كان المرزا صالح يمتطي صهوة جواده ويحاط بالأهالي ويركضون نحو ضريح الإمام الحسين(ع) في كل عاشوراء، وتاريخ أول ركضة قام بها السيد صالح يعود إلى عام 1295هـ الموافق 1881م وينقل عن أحد أحفاد مؤسس ركضة طويريج قوله: كان من المتعارف عند أهالي طويريج أنهم يبيتون في قنطرة السلام ليلة العاشر من المحرم، وفي ظهر العاشر يجتمعون في القنطرة ثم يصلي بهم السيد صالح القزويني الحسيني صلاة الظهرين، ومن ثم يتوجهون إلى مرقد الامام الحسين عليه السلام سيرا على الأقدام، ولكنه في عام 1881م شاهدوا السيد صالح قد بدأ يهرول وينادي يا حسين يا حسين، وأخذت الدموع تنهمر على خديه بدون ارادة منه.
وهكذا فإن الموالين قد ساروا على نهج سيدهم وأخذوا يرددون الهتافات الحسينية وكأنهم قد استجابوا جميعا لواعية الحسين عليه السلام: (ألا من ناصر ينصرني) ومن ذلك التاريخ بدأت ركضة طويريج وأصبحت معلما حضاريا في الشعائر الحسينية، وهي تظاهرة سلمية يعلن المشاركون فيها أنهم على أتم الاستعداد للتضحية والفداء بالغالي والنفيس في سبيل المبادئ والقيم التي ضحى من أجلها صاحب المناسبة، ورفض كل اشكال الظلم والاضطهاد الذي يقع على الشعوب. وكما أسلفنا أن السيد صالح يعد من الفقهاء وبالرغم من ذلك أنه قد داس على هيبته ووقاره وأعلن حزنه وجزعه على مصاب جده الامام الحسين عليه السلام من خلال هرولته وبكائه في العزاء، وأنه أراد أن يرسل رسالة مفادها لا وقار ولا هيبة في مصيبة الحسين، وجميع السلاطين والعظماء والعلماء والأمراء يطأطئون لعظمة المولى أبي عبد الله الحسين لما قدّمه في سبيل الدين والعقيدة، وهو كذلك الفات النظر للعالم أجمع بمصيبة الحسين والفاجعة التي ألمت به، لعل البشرية تفيق إلى رشدها وتنتهج طريق الاسلام المحمدي الأصيل الذي لولا دماء الشهداء في كربلاء لما بقي من الاسلام إلا اسمه.
ولما توفي السيد صالح خلفه ولده العلامة السيد هادي القزويني (1347هـ/1928م) وكان من أعيان البلاد وامتاز بالهيبة والوقار، كما ان الملك فيصل الأول زاره وعرض عليه الاشتراك في الحكم كوزير الا انه اعتذر عن ذلك، وكان لهيمنته الأثر في ادامة الموكب واستمراريته.
وبعد وفاته استقام ولده العلامة السيد جواد (1358هـ/1939م) وكان من الفقهاء، ثم بعد وفاته خلفه أخوه العلامة السيد مهدي (1366هـ/1947م) ومن بعده السيد محمد ضياء بن السيد حسن بن المرزا صالح (1973م) ومن بعده اخوه السيد رضا ومن بعده السيد محمد حسين نجل السيد هادي ثم السيد عبد العزيز القزويني ثم الشهيد السيد موسى بن السيد محيي القزويني وذلك حتى عام 1982م حيث اعتقل من قبل السلطة العراقية ولم يسلم جسده فيما بعد.
وبعد سقوط البعث المجرم عاود الموكب نشاطه، والموكب هذا لا يركب فرسه الا من كان من سلالة السيد صالح القزويني مؤسس الموكب وهي سنّة تسالم عليها العرف ولا ينكره أحد، وأما في زماننا الحاضر ومن بعد سقوط الحكم البعثي عام 2003م فان السيد ثامر القزويني هو قائد العزاء وهو الذي يمتطي الفرس ويلتف المؤمنون من حوله ايذانا بانطلاق ركضة طويريج التاريخية التي اخذت مداها بالاتساع عالميا في الآونة الأخيرة.
وفي الوقت الحاضر يشارك في ركضة طويريج الملايين من شتى انحاء العراق والزوار القاصدين له من خارج العراق، وهو أشهر المواكب الحسينية على الإطلاق إذ يمتاز بالركضة والحماسة والعفوية والولاء، ولان غرضه التعبير عن الاستجابة لقول الامام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء عندما نادى بأعلى صوته: (الا من ناصر ينصرني...) فتخرج الملايين تعبيرا عن تلبيتها لندائه عليه السلام.
والهفي عليك يا أبا عبد الله وانت صريعا بوادي كربلاء عطشانا وحيداً فريدا حيث انصارك واخوتك وبنوك قطعوا ارباً اربا وداست خيول الظلمة على صدرك الشريف وسلبوك حتى ردائك، فلعنة الله عليهم وعلى من أمرَهم وعلى من خذلك وعلى من سمع بذلك فرضي به.
أقرأ ايضاً
- يرجى تصحيح المسار يا جماهير الكرة
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- الحجُّ الأصغرُ .. والزِّيارةُ الكُبرىٰ لِقاصِديِّ المولىٰ الحُسّين "ع"