ولدت "زهراء" وهي مقعدة بأرجل عاجزة، لكن حرص اهلها عليها دفعهم الى اللجوء لطبيب لم يكن حاذقا او ماهرا، فاشار عليهم باجراء عملية جراحية، وبدل العملية اجريت لها ثمانية عمليات دون جدوى، وهي غضة لا تعرف من حياتها الا الصراخ من الالم، وتعذبت ايما تعذب حتى اشار على اهلها طبيب آخر بان علاجها يكون بعد بلوغها سن الشباب وتوقف النمو، وانتظروا وباشرت حياتها متفوقة في الدراسة، فاجتازت الابتدائية والمتوسطة والاعدادية بتفوق، ومنغصات وتحديات، واستقرت في كلية علمية، تزحف كل يوم على اطرافها السفلى لتصعد على ثلاث طبقات في مبنى الكلية للوصول الى المختبرات وانهت المرحلة الاولى والثانية والثالثة واستقرت في الرابعة، حتى جاءها الامل في السير مرة اخرى في مركز الوارث ديرمان للاطراف الصناعية التابع للعتبة الحسينية المقدسة، وبدأت على ايدي المختصين فيه اولى خطواتها.
عذاب الطفولة
تتحدث والدتها "ام علي" عن طفولتها لوكالة نون الخبرية وتقول " انها ولدت في الثاني والعشرين من كانون الثاني من العام (2001) وبالرغم من ان فترة الحمل وكشف السونار لم يظهر اي شيء عليها، الا انها ولدت مقعدة منذ ولادتها باطراف هزيلة لا نفع لها، ولاحظنا ان اطرافها السفلى كان فيها نقص بالركبة والعظام في الرجل اليسرى وعظم واحد للترقوة والكف باربع اصابع، والرجل اليمنى بدون ركبة وكف فيه اصبعان ملتفان، وبعد اسبوعين راجعنا بها احد اطباء العظام في المستشفى الجمهوري بالبصرة، واخبرنا ان علاجها سيتم بعد بلوغها ستة اشهر من العمر، وزرع بنا الامل على انها ستسير على تلك الاطراف، بعد اجراء العمليات الجراحية، وبالفعل اجريت لها سبع عمليات جراحية واعيدت احدى العمليات لوجود خطأ طبي، وعانت الامرين من تلك العمليات وخاصة العملية التي اخطأ فيها الدكتور بوضع البلاتين في غير محله، وكانت تصرخ دون توقف وكانت تعاني من المخدر وهي طفلة، وكنت اعاني معها لساعات طوال لا تسكت فيها من البكاء، لاسيما بعد ان منع عنها تناول الحليب، ما لفت نظرنا هي نصيحة طبيب مرافق للطبيب الذي اجرى لها العمليات والذي اخبرنا انها لا تستفاد حاليا من تلك العمليات الجراحية ويجب ان تكبر واطرافها غير مكتملة ولا تنفع تلك العمليات، ولم نلتفت لنصيحته لان الطبيب الاصلي مشهور معروف بخبراته".
القرار الثاني
وتجول بها والدها على اطباء كثيرين ولن يجد بارقة امل الا واخذها لها، ولما لم نجد نفعا واصبح لديها ملل من الاطباء والمراجعات، وبعد سبع سنوات من المراجعات لاطباء اخرين، ايقنا انها لا تستفاد من تلك العمليات، ونصحنا احد الاطباء بالانتظار لوصول عمر "زهراء" الى الثامنة عشر وبتر اطرافها بعدها والاستعانة باطراف صناعية لسيرها، وفعلا استجبنا للأمر، وكانت زهراء قوية متماسكة وقبلت بتر اطرافها واجرينا العملية وكان وزنها لا يسمح بوضع الاطراف العادية التي توجد في المستشفى الحكومي، ونصحنا كثير من الاطباء ان الاطراف الاعتيادية لا تنفعها، واستعانت بعربة المعاقين وكانت تذهب الى المدرسة بسيارة خاصة على حسابنا، وهي طموحة وفاعلة وتساعدني في واجبات البيت وهي طباخة ماهرة وتؤدي واجبات كثيرة، ولم نقطع الامل وكنا نأخذ عزمنا من عزمها وتعرفنا على مركز الوارث ديرمان لصناعة الاطراف الصناعية، فتواصلنا مع المركز عبر الانترنت وكانت ظروفنا المالية لا تساعد على صناعة اطراف ذكية لها، واستمر اخي بالتواصل مع المركز وتحديدا مع مدير المركز الدكتور ياسر الساعدي، وطلب حضورها لمعرفة حالتها عن قرب".
الوصول الى الوارث
وفعلا جئنا بها مركز الوارث ديرمان، هكذا تكمل "ام علي" رحلة ابنتها ، وشاهدها مدير المركز وحدد ما تحتاج فعلا وهو موجود لدى المركز، وحدد لها ما تريد بسعر (17) مليون دينار، وحصلنا على تخفيض للكلفة من المتولي الشرعي للعتبة الحسينية الشيخ عبد المهدي الكربلائي، وكانت حالتها تستوجب نوعين من الانفاق الاول للكلية والثاني للأطراف الصناعية، فقررنا ان تستمر بالدراسة وبعدها نعمل لها الاطراف، لكن اتصالا وردنا من اخي الثاني ابلغنا ان متبرعا عراقيا يعيش في الخارج يريد ان يقدم خدمة للمرضى، فارسلنا له الفيديوات والتقارير الطبية الخاصة بها، فقرر ان يساعدها ولان المبلغ كبير وحسب ما ابلغنا هو بنفسه، انه قرر عدم دفع كامل المبلغ وتوزيعه على اكثر من مستفيد، ولكنه شاهد في الرؤيا كأن احد الائمة (عليهم السلام) يوعز له بانفاق كامل المبلغ على العلوية "زهراء"، فقرر التكفل بانفاق كامل مبلغ الاطراف عليها، وطلب الدعاء له لانه يعاني من مرض صعب وعليه اجراء عملية معقدة ونسبة شفائه قليل، وبأمر الله نجحت عمليته وشفي، واجرت زهراء عمليات البتر لارجلها بعملية فوق الكبرى، وصممت لها الاطراف الالكترونية واخذت القياسات وصنعت وبدأت بالتدريب عليها".
المتفائلة زهراء
زهراء حيدر (22 عاما) طالبة كلية علوم الكيمياء رسمت الفرحة والبشارة على وجهها وهي تبدأت خطواتها الاولى باطراف صناعية، تقول لوكالة نون الخبرية انها" كنت اعاني من اعاقة ولادية، وخضعت لعمليات عدة ولم تتكلل بالنجاح، ولم استسلم وتوجهت للدراسة الابتدائية وواجهت رفضا من الادارة كوني معاقة وطلبوا مني التحق بمدارس خاصة، وتراجعوا عن القرار وباشرت بالدوام في مدرسة الملك في البصرة متفوقة في دراستي، وحققت درجة (90) من مئة في البكلوريا، ثم انتظمت في المتوسطة وكنت من الاوائل وحصلت لاكثر من مرة على هوية الطالبة المثالية، وبعدها التحقت بالدراسة الاعدادية وكنت اطمح لقسم علمي احقق رغبتي في العمل بالمجال الطبي، ولكن المدرسة الاعدادية التي يوجد بها الفرع العلمي رفض التحاقي لان مختبراتها العلمية تقع في الطبقات العليا من المدرسة ويصعب صعودي لها، ورغبت عائلتي بتحولي الى الدراسة في الفرع الادبي، لكني اصراري ابقاني في الفرع العلمي وكنت اصعد زاحفة على اطرافي السلفي المعاقة وتصعد زميلاتي لي كرسي المعاقين، واكملت الاعدادية بمعدل (83) من مئة، وقدمت الى معهد طبي كان فيه تفضيل للمعاقين في الدراسة والتعيين، لكن اللجنة المختصة رفضتني، فتوجهت الى كلية علوم الكيمياء في جامعة البصرة، وهي الاقرب الى الطب ووجدت نفس الرفض لان المختبرات في الطابق الثالث من الكلية، ووقعت على تعهد ان اكون مسؤولة عن نفسي بما يحصل لي، وباشرت بالدوام واثبت لهم عكس ما يظنون بي وكرمت من رئيس الجامعة وعميد الكلية، وتفوقت في دراستي رغم اني اصعد زحفا الى مختبرات كليتي لثلاث طبقات ويساعدني زملائي في الكلية، وما ان وصلت الى مركز الوارث ديرمان حتى وجدت طموحي الذي كنت ابحث عنه بالعودة للمسير مرة اخرى، فبالرغم من تكيفي على وضعي كمعاقة الا انني وجدت في هذا المركز ، تحقيق الامل والفريق الطبي والنفسي المتميز، وبدأت خطواتي بارادة جديدة، وانا لا اشعر بالعاقة في قرارة نفسي ، والان اصبح الامل مجرد ايام وتتحقق اهدافي في الحياة بان اكون موظفة او اعمل في اي مكان اخر، وعندي امل بتخطي تلك الصعوبات، ووجدت في هذا المركز كل الرعاية والاهتمام وندمت على اني لم اراجعه منذ كنت مهيأة لربط تلك الاطراف التي لا اعتبرهن صناعية بل اطراف طبيعية واختزلت الكثير من وقت التأقلم عليها ومنها ان الاقدام كان من المقرر ان اضعها بعد سنة اشهر لكني استخدمتها في شهر واحد".
التكيف النفسي
لدى الدكتورة زينب مسلم الاستشارية في مركز الوارث ديرمان للاطراف الصناعية اسلوب فريد في التعامل مع المرضى ممن يحتاجون لطرف او اطراف صناعية تقول عنه لوكالة نون الخبرية ان " طريقتنا في التعامل مع المرضى نحددها عبر استطاعتنا بتحفيز الطاقة والمقبولية الموجودة لديهما ونحتاج الى جهود مضاعفة وتعب لايصالها لهم، ولكن "زهراء" كانت متفائلة وقوية وطموحة ولم اتعب معها فهي اصبحت لي اختا وصديقة وعزيزة على قلبي، ولم تكن مجرد متقبلة لربط طرفين صناعيين، بل جاءت برغبة جامحة لربطهما والسير عليهما، وكانت قوية في اتخاذ قرار بتر طرفيها السفليين وربط الاطراف الصناعية وهي قمة التحدي لدى المعاق، وكانت تحتاج فقط، للدعم والاسناد ولم اعاني في اقناع او تبسيط الامور للشابة "زهراء" بل كانت تأخذ مني القوة وتعطيني الاصرار والتفاؤل، عندما علمت انها كانت تزحف وتصعد ثلاث طبقات في كليتها للوصول الى المختبرات واتمام الدراسة والتفوق ولسنوات طويلة، وهي شجاعة ولها ارادة قوية وصاحبة قرار حكيم، ورغم معاناتها من المجتمع او التنمر من بعض الاشخاص الا انها تشعر انها قوية بنجاحها، لان من يفقد طرفا ليس معاقا بل الاعاقة في العقل والذهن، وشاهدتها في بداية التدريب وفي اول اسبوعين على لبس الاطراف انها انسانة سوية وستتمكن من النجاح في حياتها، وستزداد قوتها وطولها مع اكمال المنهج العلاجي لها".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- نذر نفسه لمساعدة الناس: ام " الشهيد احمد" ..ولدي توسل بالحسين لنيل الشهادة ممزقا فكان له ما اراد
- يجريها فريق طبي عالمي مكون من (24) متخصص.. قلب الطفل "ايمن" من كركوك يعالج في مستشفى زين العابدين الجراحي
- اسكنوا اعداد اضافية وقدموا خدمات :اصحاب فناق سوريون يثمنون مبادرات العتبة الحسينية ويتعاونون معها