- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
عيد الغدير...عيد الله الأكبر / 3
بقلم : عبود مزهر الكرخي
حديث يوم الدار
حديث يوم الدار أو إنذار يوم الدار من الأحاديث النبوية التي وردت في العديد من كتب الحديث، وإن اختلفت الروايات والتفسيرات، يستند إليها الشيعة في مسألة وصاية رسول الإسلام محمد بن عبد الله لعلي بن أبي طالب من بعده وعصمته.
وفي السنة الثالثة من البعثة جاء أمر الله تعالى لنبيه بإعلان الدعوة إلى الإسلام بدءا ًبعشيرته الاقربين بعد أن أنزل عليه آية الإنذار ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ (1). روى الطبري في تاريخ الأمم والملوك: (2)
" فدعا النبي (ص) عليـاً (ع)؛ وأمره أن يصنع طعـامـاً، ويدعو لـه بني عبد المطلب ليكلمهم، ويبلغهم ما أُمِر به. فصنع علي(ع) صاعاً (ما يعادل 2,5 كيلوغرام) من طعام، وجعل عليه رِجلَ شاة، وملأ عُسّاً(القَدَح الكبير) من لبن، ثم دعاهم، وهم يومئذٍ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً، أو ينقصونه، فيهم أعمام النبي (ص): أبو طالب وحمزة والعباس، وأبو لهب فأكلوا. قال علي (ع): "فأكل القوم، حتى ما لهم بشيء من حاجة(حتى شبعوا)، وما أرى إلا موضع أيديهم (لم ينقص من الطعام شيئ) ثم قال النبي(ص): إسق ِ القوم فجئتهم بذلك العُس؛ فشربوا منه حتى رَووا منه جميعاً , فلما أراد رسول الله (ص) أن يكلمهم بَدَرَهُ أبو لهب فقال:" لَقِدْماً سَحَرَكُم صاحبكم"،{اي أنها ليست المرة الأولى التي يسحركم فيها محمد(ص), في إدعاء منه أن النبي ساحر ليس إلا} فتفرق القوم، ولم يكلمهم الرسول (ص)." فأمر (ص)علياً (ع) في اليوم الثاني: أن يفعل كما فعل آنفاً، وبعد أن أكلوا وشربوا قال لهم رسول الله (ص): "يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة.وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه؛ فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي، ووصيي وخليفتي فيكم؟" قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقال علي: "أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه"، فأخذ برقبتي، ثم قال:" إن هذا أخي، ووصي، وخليفتي فيكم؛ فاسمعوا له وأطيعوا." قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لإبنك وتطيع.
وفي بعض نصوص الرواية: أنه لما قام علي (ع)فأجاب، أجلسه النبي (ص) ثم أعاد الكلام، فأجابه علي، فأجلسه، ثم أعاد عليهم، فلم يجيبوا، وأجاب علي (ع)، فقال له (ص) ذلك ".
وقد ذكر المؤرخون و المفسرون هذه الواقعة بأسماء وتعابير مختلفة،(3) وقد عبّر عنها في بعض الروايات بـ«بيعة العشيرة» (4).
أهم النقاط في حديث الدار
النقطة الأولى : وهي العشيرة ودعوته الأقربين من النبي الأكرم محمد(صل الله عليه وآله)، وهذا مؤشر هو بدأ الدعوة من الداخل، وحتى ما استجاب أهله وعشيرته يكون الانطلاق الى الخارج وبعزيمة راسخة وقد ثابت. ، وهناك شيء مهم أن هذه الدعوة تكشف للنبي محمد(صل الله عليه وآله)نقاط الضعف والقوة في البنيان الداخلي ، بالتالي معرفة الدعم الذي سوف يلاقيه ، ليصبح الأمر أنه حين يبدأ بالأقربين من عشيرته، فإن معنى ذلك هو أن على الآخرين أن يقتنعوا بأنه منسجم مع نفسه، ومقتنع بصحة ما جاء به ، أضف إلى ذلك أنه كان يريد الخير الى عشيرته من بنو عبد المطلب وبنو هاشم بالعموم ليكونا في طليعة المؤمنين الذين ينصرون ويضحون بكل غال ونفيس. ، وخير دليل على ما ذهبنا إليه : أن النصارى قد تنبهوا إلى ذلك في قضية المباهلة فراجع.
والمهم في هذه الحادثة أنه خرج(صل الله عليه وآله)منذ هذا بوعدٍ أكيد من شيخ الأبطح أبي طالب بالنصر والعون؛ فإنه لما رأى موقف أبي لهب اللاإنساني، واللامعقول، قال له:" والله لننصرنه، ثم لنعيننه!! يا ابن أخي، إذا أردت أن تدعو إلى ربك فأعلمنا، حتى نخرج معك بالسلاح " (5).
اختيار النبي (ص) علياً وهو الأصغر بينهم ليكون المُضيف.
وهذه النقطة التي تخص مبحثنا لنلقي عليها الأضواء وتحليلها ، تقول الرواية أن النبي أمر علياً أن يصنع طعاماً و يدعوهم إليه و كان عددهم يناهز الاربعين رجلاً و أن ذلك قد كان في بيت النبي (ص) نفسه، لأن علياً (ع) كان عند رسول الله (ص) في بيته على ما يظهر، وقد كان بإمكانه (ص) أن يطلب من خديجة (ع) أن تصنع لهم الطعام، هذا، مع وجود آخرين أكثر وجاهة ومعروفية من علي (ع)، كأبي طالب، وكجعفر بن أبي طالب، الذي كان يكبر علياً في العمر، ولكنه قد اختار علياً بالذات لأن علياً وإن كان حينئذٍ صغير السن، إلا أنه كان في الواقع كبيراً في عقله، وفي فضائله وملكاته، كبيراً في روحه ونفسه، كبيراً في آماله وأهدافه، ولا أَدَلّ على ذلك من كونه هو المجيب للرسول، دون كل من حضر، ليؤازره ويعاونه على هذا الأمر.وقد رآه النبي (ص)منذئذٍ أهلاً لأن يكون أخاه، ووصيه، وخليفته من بعده ولهذا كانت إن حادثة يوم الدار هي حادثة إنذار إضافةً إلى كونها حادثة بشارة.
يقول المحقق الشهيد مطهري: " إن من يريد إقناع إنسان ما بعمل ما، فله طريقان:
أحدهما: التبشير، بمعنى تشويقه، وبيان فوائد ذلك العمل.
الثاني: إنذاره ببيان ما يترتب على تركه من مضار، وعواقب سيئة ولذلك قيل: الإنذار سائق، والتبشير قائد " (6).
بل والإسلام يرى أنه لا بد من ترجيح كفة التبشير على الإنذار وقد جاء عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا)) (7)؛ متفق عليه ، ولذلك قدم الأول على الثاني في أكثر الآيات القرآنية.
وهكذا فقد اشتملت دعوته (ص) لعشيرته على التبشير أيضاً؛ بأن من يؤازره سوف يكون خليفةً بعده، وأنه قد جاءهم بخير الدنيا والآخرة، تماماً
كما بدأت بالإنذار، فإن ذلك ينسجم مع ما تشتاق إليه نفوسهم، و يتلاءم مع رغباتهم، ويأتي من قِبَلِ من لا يمكن اتهامه لديهم بأي وجه.
في الختام : لقد بدأ رسول الله (ص) دعوته المباركة الى الدين الحنيف في يوم الدار واختتمها في يوم الغدير , و ما بين يوم الدار ويوم الغدير أساسٌ واحد ، ( والعدل تسكينا للقلوب والطاعة نظاما للملة والإمامة لما من الفرقة والجهاد عزا للإسلام ) (8) ، وهو أُخُوّةُ علي و خلافة علي وولاية علي عليه السلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ [الشعراء : 214].
2 ـ ابن جرير الطبري، تاريخ الامم والملوك، ج 2 ص 63؛ ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 13، ص 244.
3 ـ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 60 - 63؛ الطبرسي، مجمع البيان، ج 7، ص 206.
4 ـ ابن شهرآشوب، المناقب، ج 2، ص 24 و 185.
5 ـ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 27 ــ 28.
6 ـ جريدة جمهوري إسلامي الفارسية رقم 254 سنة 1359 ه. ش في مقالات اية الله الشهيد مطهري.
7 ـ الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري. الصفحة أو الرقم: 69 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]. التخريج : أخرجه البخاري (69)، ومسلم (1734).
8 ـ خطبة فدك للسيدة الزهراء (ع علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج1، ص248. بحار الأنوار - ط دارالاحیاء التراث، العلامة المجلسي، ج6، ص108.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب