- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هويتي الثقافية الوطنية كعراقي - الجزء الثاني والاخير
بقلم: نجاح بيعي
ـ أركان الهوية الثقافية الوطنية (الموحَدة والموحِدة) للمجتمع العراقي..
للهوية الثقافية الوطنية الجامعة, كما جاء في أجوبة سماحة السيد السيستاني (دام ظله) على أسئلة صحيفة (الواشنطن بوست) عام 2003م, التي من أهم ركائزها الدين الإسلامي الحنيف والقيم الإجتماعية النبيلة, أركان ثلاث تقوم عليها هي:
1ـ الوطن
2ـ الدولة
3ـ التعايش السلمي
وأن التجربة التاريخية تؤكد لنا بأن تلك الأسس أو الأركان الثلاث أنما تتقوم بالركيزة الأساسية للهوية الثقافية الوطنية الجامعة (الدين الإسلامي) بمعية (القيم الإجتماعية النبيلة) وتستمد منها القوة والمنعة والديمومة, والعكس صحيح حتى أصبحت ركيزة (الإسلام) الحنيف و(الأركان) الثلاث (الوطن والدولة والتعايش السلمي) يحملان أحدهما الآخر وهما يسيران جنب الى جنب على أرض الواقع التاريخي والإجتماعي, كأنهما في ظرف واحد يستوعبهما له وجهان الأول الدين الإسلامي والقيم النبيلة, والثاني متمثلة بالأركان (الوطن والدولة والتعايش السلمي) وإلا فلا.
ومن المؤكد أن هذه المعادلة لم تكن لتغيب عن رؤية ومنهج السيد السيستاني (دام ظله) وهو الحاذق في متابعة الأحداث في الداخل والخارج بأدق التفاصيل, وهو الحامي للدين وللمصالح العليا للبلد وللشعب العراقي, خصوصاً بعد التغيير الدراماتيكي الذي حصل بعد عام 2003م وسقوط النظام الديكتاتوري البغيض. حيث حذر سماحته منذ البداية من محاولات طمس ومحق تلك الهوية الوطنية بما اشتملت عليه من ركائز وأركان من قبل الأعداء, والتي تهدف الى شطب العراق كبلد ومجتمع وتاريخ ومقدسات من خارطة الجغرافيا والتاريخ كلية.
وبالفعل.. حصل ما كانت تُحذر منه المرجعية الدينية العليا حتى شهدنا الحرب تلو الحرب والمعركة تلو المعركة, ناعمة كانت أو غير ناعمة، مباشرة كانت أو غير مباشرة, وهي تُشن على الإسلام (دين أغلبية الشعب العراقي) وعلى الشعب وعلى رموزه ومقدساته, وعلى مجمل قيمه وأخلاقه وعاداته النبيلة, وعلى الوطن (العراق) وعلى الدولة (السيادة) وعلى الأمن المجتمعي (التعايش السلمي).
لذا نرى ونشهد جهد وكفاح المرجعية الدينية العليا المرير عبر سني التغيير, منصب على الدفاع عن الدين الإسلامي والمذهب وحماية المؤمنين وجميع المسلمين من المعتقدات الباطلة المنحرفة, ودرء فتن الأعداء وإنقاذهم وتوصليهم الى بر الأمان بما يضمن سعادة الدين والدنيا. كما نرى ونشهد نضالها الذي لا يفتر من أجل الحفاظ على الوطن ومقدساته حتى توجت بالفتوى المقدسة التي صدت وردعت أعتى عدو إرهابي ظلامي وهو (داعش) في 13/6/2014م. وكذلك نرى ونشهد مواقفها الكثيرة المشرفة في إعادة مقومات الدولة وإعادة هيبة مؤسساتها, من خلال فتوى كتابة الدستور بأيدي وطنية ـ عراقية وحث الشعب على الإنتخابات الحرة النزيهة, وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال صناديق الإقتراع الحر المباشر, وكذلك أيضاً نرى ونشهد مواقفها الكثيرة المشرفة في حفظ الأمن المجتمعي, بين جميع مكونات الشعب العراقي بجميع مذاهبه وأطيافه وأعراقه, من خلال ترسيخ مبدأ التعايش السلمي بين الجميع, حتى توجت بعبارتها التي ملأت الآفاق وبلغت الأسماع: (السُنة أنفسنا) وبها تم درء الفتنة الطائفية وإبعاد شبح الحرب الطائفية التي كادت أن تحرق الأخضر باليابس في طول البلاد وعرضها.
ومواقف المرجعية الدينية العليا تلك, حفلت بها بيانات مكتب سماحته بمعية الإستفتاءات والإرشادات والمواعظ والوصايا, وخطب صلوات جمع كربلاء المقدسة غير بعيدة ولها الحظ الأوفر في ذلك. ولعل خطبة صلاة جمعة كربلاء في 13/3/2015م قد اختزلت ما تقدم وكانت خير معبر عن منهج ورؤية السيد السيستاني (دام ظله), من تأسيس الإنتماء الوطني وتثبيت دولة المواطنة, والإفتخار بالحضارة العراقية العريقة, والإعتزاز بالسيادة الوطنية والهوية الثقافية للبلد, والتعايش السلمي للعراق بجميع مكوناته وأطيافه وأمثال ذلك حيث ورد فيها:
ـ (العراق) هذا البلد الحضاري بل الذي تجذّرت فيه مجموعةُ حضارات
ـ هذا البلد الذي سيكون كما كان منيعاً عن أيّ محاولة لتغيير هويته وتبديل تراثه وتزييف تاريخه
ـ إن أبناءه البررة على طول التاريخ تحمّلوا ما تحمّلوا من أجل أن يبقى عزيزاً شامخاً مستقلّاً سيد نفسه
ـ لقد أُريقت ولا تزال على هذه الأرض الطاهرة دماء زكيةٌ وغاليةٌ علينا جميعاً, دفاعاً عن كرامتنا وعزتنا ومقدساتنا وهويتنا الثقافية التي نعتز بها ولا نرضى بها بدلاً
ـ إن أبناءنا الأبطال في جبهات القتال - سدّدهم الله تعالى - يخوضون اليوم معركةً مصيريةً وغايةً في الأهمية في الدفاع عن العراق في حاضره ومستقبله
ـ ويسطّرون تاريخ حقبة مهمة بدمائهم الطاهرة وهي أعز وأعظم ما لديهم لبذله في سبيل هذا الوطن
ـ إنّنا نعتز بوطننا وبهويتنا وباستقلالنا وسيادتنا
ـ وإذا كنا نرحب بأيّ مساعدة تقدم لنا اليوم من إخواننا وأصدقائنا في محاربة الإرهابيين ونشكرهم عليها, فإن ذلك لا يعني في حالٍ من الأحوال بأنه يمكن أن نغض الطرف عن هويتنا واستقلالنا
ـ إننا نكتب تاريخنا بدماء شهدائنا وجرحانا في المعارك التي نخوضها اليوم ضد الإرهابيين وقد امتزجت دماء مكونات الشعب العراقي بجميع طوائفهم وقومياتهم..(1).
ـ لذا..
كان حري بتلك الأصوات السياسية, وبمن أنيط به مهمة استجلاء مفهوم موحد للهوية الوطنية العراقية, وبالمثقفين والكفاءات والنخب, التأني قليلاً والخروج من دائرة العصف الذهني المفتعل, والإنطلاق من مبدأ الحرص لدى المواطن العراقي المثقف الواعي على بلده وتراثه الثقافي, وتلمس ملامح الهوية الثقافية الوطنية الجامعة التي ركيزتها وجوهرها الدين الإسلامي والقيم النبيلة للمجتمع العراقي الأبي, من خلال الواقع المعاش عند جميع أغلب مكونات الشعب, ومن خلال أدوار التاريخ المشترك لدى الجميع, ومن خلال التراث الحي والغني بما يدل على أن أكثر من (90%) من الشعب يُدينون بالدين الإسلامي. ولا عذر لمن تاه وتشظى وغرق بالجدل السفسطائي عن رؤية تلك الهوية الثقافية الجامعة.
وحينما أجابت المرجعية العليا صحيفة (الواشنطن بوست) بأن الخطر الأكبر والتهديد الأعظم المحدق بمستقبل العراق هو طمس هويته الثقافية التي من أهم ركائزها هو الدين الإسلامي الحنيف, كنا نعتقد بأن العامل الإقليمي والعامل الدولي هما بطليّ ذلك الخطر والتهديد, لاحتدام المنافسة والصراع من أجل بسط السلطة والنفوذ في المنطقة ومنها العراق بعد التغيير عام 2003م, ولكننا اليوم ومن خلال تلك الأصوات المأزومة والحراك المشبوه نضيف عاملاً آخر هو العامل المحلي للأسف.
ـ كلمة أخيرة..
فإن كان قد ثبت عند هؤلاء بأن (التعدد) للهويات هي فسيفساء (الهوية) الجامعة في محاولة الى تحجيم دين أغلبية الشعب العراقي (الإسلام) وتقزيم قيمه وعاداته النبيلة, وثبت عند الأكثرية الساحقة بأن الهوية الثقافية الوطنية التي ركيزتها الدين الإسلامي هي (الهوية) الجامعة ولا محيص عنها, فهناك (غيرنا) من ضرب الأطناب ورأوا من بعيد ولمسوا ما لم يره القريب ويلمس, حيث كانت عندهم المرجعية الدينية الشيعية ذاتها ستمثل (الهوية الوطنية) للعراق في المستقبل.
فبالتزامن مع المؤتمر الأول الذي أقامته المستشارية الثقافية لرئاسة مجلس الوزراء في نيسان من العام الجاري 2023والذي خصص من أجل تحديد الهوية الوطنية العراقية وفشل في ذلك, نشر معهد (المجلس الأطلسي) الأمريكي المعني بالتحليلات, تقريراً يُشيد بـالمرجعية الدينية الشيعية في العراق كونها حققت توسعاً ثقافياً وعمرانياً غير مسبوقاً من خلال المشاريع العملاقة التي تقوم بها, وكونها لعبت دوراً مميزاً في تحسين أوضاع البلد, حتى باتت تمثل أنموذجاً نادراً في منطقة الشرق الأوسط. وأن المرجعية الدينية: (لم تنجح فقط في إقامة نموذج للإنضباط في بلد يعاني من الفساد وتطوير البنى التحتية للبلاد عبر استثمارها مواردها بشكل مباشر نحو تطوير إرثها الثقافي، بل تمكنت أيضاً من الحفاظ على استقلاله). والمعهد الأمريكي هذا قد طالب: (العالم والجهات المرتبطة بالملف العراقي بالتواصل والتعاون مع المرجعية الدينية الشيعية بهدف استثمار التأثير الإيجابي طويل المدى الذي تقدمه المرجعية الدينية وكي لا يتم تجاهل من تحقق حتى الآن من خلالها في بلاد تملك مقدرات سياحية وإرث ثقافي هائل يتم تجاهل قيمته بسبب خضوع الوزارات المعنية بإداراته للمحاصصة السياسية والذي ترك تلك القطاعات تعاني من ضعف الدعم) حسب ما ورد في التقرير.
والذي يُعنيني هنا ويعني الجميع وأقصد المثقفين والكفاءات والنخب الأكاديمية في العراق, هو أن معهد (المجلس الأطلسي) الأمريكي اختتم تقريره بالعبارة التالية:
ـ(إن المرجعية الدينية الشيعية وما تقوم به الآن قد يؤدي الى خلق عراق جديد تحييه المؤسسات الدينية ويمثل نوعاً جديداً من الهوية الوطنية ستؤدي الى قيام فاتيكان للشيعة).
الهوامش:
ـــــــــــــ
(1)ـ خطبة صلاة جمعة كربلاء في 13/3/2015م
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول