- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم السادس والعشرين من شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اَللّـهُمَّ اجْعَلْ سَعْيي فيهِ مَشْكُوراً، وَ ذَنْبي فيهِ مَغْفُوراً وَعَمَلي فيهِ مَقْبُولاً ، وَعَيْبي فيهِ مَسْتُوراً).
- يتضمن الدعاء على نقاط أربع:
١- وجود سعي من الإنسان ووصف هذا السعي بكونه مشكوراً، حيث استعملت كلمة السعي في القرآن الكريم في عدة آيات كريمة منها: (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَىٰ) و(إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ) و(وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا).
ومعنى السعي هو الكسب سواء كان كسباً للدنيا أو كسباً الآخرة، وسعي الإنسان للآخرة بإرادته التي تجعله يسعى سعياً حثيثاً لإصلاح الدار الاخرة، بمعنى أن الدار الآخرة تحتاج إلى سعي وكسب وعمل من الإنسان، بل أن يبذل أقصى ما يمكن بذله من السعي في سبيلها، لذا أن القرآن ذكر: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا)، يعني أن هناك عزم وإرادة جدية مقترن مع السعي، فما يكون من نتائج الآخرة يشتمل على طرفين:
- طرف من الإنسان وهو كسبه وسعيه وبذل الجهد ومجاهدة النفس والشهوات
- وطرف آخر هو جزاء ألله عزوجل لهذا السعي(كان سعيهم مشكورا)
ووصف هذا السعي بكونه مشكوراً لأنهم أخلصوا في سعيهم وتحملوا المشاق والمعاناة فجزاهم الله تعالى مع مزيد من عطاياه ومكافاته تفضلاً منه وكرماً.
٢- طلب غفران الذنوب: (وَذَنْبي فيهِ مَغْفُوراً). الذنب: هي تلك المعاصي التي يقترفها العبد سواء كان منشؤها تقصير العبد في أداء الفرائض الإلهية كترك الصلاة أو الصيام أو ترك الحقوق الشرعية أو ترك الحج... أو ارتكاب ما نهى الله عنه كالكذب والغيبة وشرب الخمر والزنا وأكل المال الحرام، أو ما يتعلق بحقوق الناس كالقتل وسلب أموال الآخرين بغير حق أو غصبها ... الخ.
فالإنسان عرضة لإغراءات النفس ووساوسها ولإغواءات الشيطان وتسويلاته، لذا كي لا تتراكم ذنوبه ومعاصيه تدريجياً وتصبح أعباءاً ثقيلة على الإنسان فلابد من المبادرة إلى تداركها، والتدارك هو الإستغفار والندم ومعالجة تبعاتها وقطع دوافع ارتكابها، والإنابة الى الله عزوجل والإستفادة من باب التوبة ما دام مفتوحاً: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). وورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة).
٣- قبول العمل: (وَعَمَلي فيهِ مَقْبُولاً)، الأعمال والطاعات التي يقوم بها الإنسان قد تكون صحيحة من حيث الشروط والأجزاء وهو ما يسميه الفقهاء (الأجزاء) ولكن هل هي مقبولة عند الله؟. والقبول هو غاية هذه الأعمال لكن القبول له محددات تحدد قبوله فإن أداء الطاعات وإتيان الأعمال الصالحة هو نعمة من الله تعالى ولكن النعمة الاكبر هو قبول هذه الطاعات والأعمال الصالحة عند الله تعالى، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا تهتموا لقلة العمل واهتموا للقبول)، وللقبول أسباب منها: تقوى الله تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ). حيث أنها أهم سبب لقبول العمل عند الله، ومن أهم آثارها هو قبول العمل، والمقياس هو ليس حجم العمل أو كثرته بل هو التقوى، وأيضاً من أسباب القبول هو ولاية أهل البيت عليهم السلام، فان قبول الأعمال جميعها منوط بولاية أهل البيت وعليها يكون مدار القبول والرد، ومن أسباب القبول هو إخلاص النية لله عزوجل: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ). وقوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) فالإخلاص ملاك الطاعات.
٤- ستر العيوب: (وَعَيْبي فيهِ مَسْتُوراً)، الإنسان عدا المعصوم (عليه السلام) لا يخلو من المنقصة من خلال إظهار بعض الممارسات أو بعض المظاهر، لأن الإنسان بطبيعته التكوينية يقع في أخطاء لو أنها أعلنت أمام الملأ لاستحى منها وأحب سترها وعدم كشفها، وطلب سترها أمر تقتضيه فطرة الإنسان، فالدعاء يعلمنا طلب سترها وهو في حقيقته نوع من التكامل التدريجي الذي يريده الإسلام للإنسان من خلال أدب الدعاء بعد طلب المغفرة يترقى إلى أمر يكمل الأول وهو أن لاتظهر المنقصة (العيب) على شخصية المؤمن لذا يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (أعقل الناس من كان بعيبه بصيراً، وعن عيب غيره ضريراً) .
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر