- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء السادس عشر

بقلم: نزار حيدر
{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.
إِذن؛ بالأَمرِ بالمعرُوفِ والنَّهي عن المُنكرِ يتمُّ حِفظَ الحدُودِ والحقُوق.
بمعنى آخر؛ فإِنَّ المُعارضة هي التي تحفظ الحقُوق والحدُود وليسَ المُوالاة [الحكُومة] لسببٍ بسيطٍ وواضحٍ جدّاً، أَلا وهوَ؛ أَنَّ حفظَ الحقُوق والحدُود يحتاجُ إِلى رقابةٍ دائمةٍ ومُساءلةٍ مُستمرَّةٍ ومُحاسبةٍ دقيقةٍ، وبتجرُّدٍ، وأَنَّ الذي في السُّلطةِ لا يفعلُ كُلَّ ذلكَ بكُلِّ تأكيدٍ، فالمُستفيدُ لا يُراقِبُ ولا يُحاسِبُ نفسهُ أَو يُسائلُها، وهو لا يتمتَّعُ بالتجرُّدِ أَبداً.
يقُولُ تعالى {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ}.
فالسُّلطةُ المُستغنِيةُ بالجاهِ والنُّفُوذِ والمالِ والسِّلاحِ والإِعلامِ كيفَ تُريدُها أَن تحفظ الحدُود والحقُوق؟! إِلَّا إِذا كانت تحتَ مِجهر المُعارضة وتحتَ مِبضَعِها!.
لقد سُئِلَ الإِمامُ الحسنُ السِّبط (ع) [ذِكرى ولادتهُ المَيمُونة في (١٥) رمضان المُبارك من عام (٣) للهجرَةِ] عن رأيهِ في السِّياسةِ فأَجابَ (ع)؛
{هي أَن تُراعي حقُوق الله وحقُوق الأَحياء وحقُوق الأَموات.
فأَمَّا حقُوق الله فأَداءُ ما طلبَ والإِجتنابَ عمَّا نهى، وأَما حقُوق الأَحياء فهيَ أَن تقومَ بواجبِكَ نحوَ إِخوانِكَ ولا تتأَخَّر عن خدمةِ أُمَّتكَ وأَن تخلُص لوليِّ الأَمرِ ما أَخلصَ لأُمَّتهِ وأَن ترفعَ عقيرتَكَ في وجههِ إِذا حادَ عن الطَّريقِ السويِّ، وأَمَّا حقُوق الأَموات فهي أَن تذكُرَ خيراتهُم وتتغاضى عن مساوئِهِم ، فإِنَّ لهُم ربّاً يُحاسبهُم}.
الكلامُ هُنا عمَّا يخصُّ الرَّاعي [الحاكِم] والرَّعيَّة [المُجتمع] أَي عن الحقُوقِ والحدُودِ العامَّة [الشَّأنُ العام].
فالأُمَّةُ مُلزَمةٌ بالإِخلاصِ للحاكمِ ما أَخلصَ لها واحترمَ إِرادتها وصانَ حقُوقها وضحَّى من أَجلِ أَمنِها وكرامتِها، أَمَّا إِذا أَخلَّ بواحِدةٍ من كُلِّ ذلكَ فهُنا يشخَصُ دَور المُعارضة التي يجبُ عليها أَن ترفعَ عقيرَتها بوجههِ لتفضحهُ وتفضحَ تقصيرهُ وفشلهُ في إِنجازِ مهامِّهِ الدُّستوريَّةِ بالمُصطلحِ الحديثِ.
يقُولُ تعالى {لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}.
أَوَّلاً؛ لقد شرعنَ الإِمامُ (ع) حقَّ المُعارضةِ في مواجهةِ الحاكمِ الفاشلِ فكيفَ إِذا كانَ ظالماً؟!.
ثانياً؛ لم يُحدِّدُ الإِمام هويَّة الحاكِم الذي يجبُ على الأُمَّةِ الولاءَ لهُ أَو أَن ترفعَ عقيرتهُ بوجههِ، أَكانَ سنيّاً أَم شيعيّاً؟! عربيّاً أَم كُرديّاً أَم تُركُمانيّاً؟! [إِسلامويّاً] أَم ليبراليّاً [علمانيّاً] فكما أَسلفنا مرَّةً فإِنَّ المُعارضة [الأَمرُ بالمعرُوفِ والنَّهي عن المُنكرِ] لا علاقةَ لها بالهويَّة فمِعيارُها الحقُّ والباطِلُ، الصحُّ والخطأُ فقط.
فهل هُناكَ مَن لا تجُوزُ مُعارضتهُ مهما فعلَ، كما تذهبُ إِلى ذلكَ بعضُ المدارِسُ [الدينيَّةِ] التي تُحصِّن الحاكم بسورٍ من حديدٍ ضدَّ المُحاسبةِ والمُساءلةِ؟!.
يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {وإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ واعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ ورِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ وإِعْذَاراً تَبْلُغُ بِه حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ}.
لا حصانةَ للحاكمِ، إِذن، من المُساءلةِ والمُحاسبةِ والمُعارضةِ، ويجِبُ عليهِ التَّوضيحُ أَو الإِستقالةِ!.
ويقُولُ (ع) {ثُمَّ جَعَلَ سُبْحَانَه مِنْ حُقُوقِه حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا ويُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً ولَا يُسْتَوْجَبُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ، وأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ سُبْحَانَه مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ وحَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْوَالِي فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللَّه سُبْحَانَه لِكُلٍّ عَلَى كُلٍّ فَجَعَلَهَا نِظَاماً لأُلْفَتِهِمْ وعِزّاً لِدِينِهِمْ فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلَاةِ ولَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ إِلَّا بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ فَإِذَا أَدَّتْ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّه وأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ وقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ واعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ وجَرَتْ عَلَى أَذْلَالِهَا السُّنَنُ فَصَلَحَ بِذَلِكَ الزَّمَانُ وطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ ويَئِسَتْ مَطَامِعُ الأَعْدَاءِ، وإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِه اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ وظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ وكَثُرَ الإِدْغَالُ فِي الدِّينِ وتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ فَعُمِلَ بِالْهَوَى وعُطِّلَتِ الأَحْكَامُ وكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ فَلَا يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ ولَا لِعَظِيمِ بَاطِلٍ فُعِلَ فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الأَبْرَارُ وتَعِزُّ الأَشْرَارُ وتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللَّه سُبْحَانَه عِنْدَ الْعِبَادِ، فَعَلَيْكُمْ بِالتَّنَاصُحِ فِي ذَلِكَ وحُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَيْه فَلَيْسَ أَحَدٌ، وإِنِ اشْتَدَّ عَلَى رِضَا اللَّه حِرْصُه وطَالَ فِي الْعَمَلِ اجْتِهَادُه، بِبَالِغٍ حَقِيقَةَ مَا اللَّه سُبْحَانَه أَهْلُه مِنَ الطَّاعَةِ لَه ولَكِنْ مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللَّه عَلَى عِبَادِه النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ والتَّعَاوُنُ عَلَى إِقَامَةِ الْحَقِّ بَيْنَهُمْ، ولَيْسَ امْرُؤٌ، وإِنْ عَظُمَتْ فِي الْحَقِّ مَنْزِلَتُه وتَقَدَّمَتْ فِي الدِّينِ فَضِيلَتُه، بِفَوْقِ أَنْ يُعَانَ عَلَى مَا حَمَّلَه اللَّه مِنْ حَقِّه، ولَا امْرُؤٌ وإِنْ صَغَّرَتْه النُّفُوسُ واقْتَحَمَتْه الْعُيُونُ، بِدُونِ أَنْ يُعِينَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يُعَانَ عَلَيْه}.
وفي هذا النَّص نُلاحِظ أَنَّ الإِمامَ (ع) رسمَ حدُود [المُوالاة والمُعارضة] بشكلٍ دقيقٍ وحاسمٍ ليتحوَّل واجبُ الأَمرِ بالمعرُوفِ والنَّهي عن المِنكرِ إِلى ثقافةٍ مُجتمعيَّةٍ يتنفَّسها المُجتمع معَ الهَواء، فإِذا كانت كذلكَ لم يعُد بحاجةٍ إِلى إراقةِ المزيدِ من الدِّماءِ وانتهاكِ المزيدِ من الأَعراضِ بين الفينةِ والأُخرى لتصحيحِ خطأٍ أَو لإِحقاقِ حقٍّ سحقتهُ السُّلطة أَو تجاوزَ عليهِ زبانيتُها!.
أقرأ ايضاً
- أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء الخامس عشر
- توجه العراق نحو الليبرالية الجديدة - الجزء الرابع
- أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء الرابع عشر