- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم الخامس من شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اللّهُمَّ اجعَلني فيهِ مِنَ المُستَغْفِرينَ، وَاجعَلني فيهِ مِن عِبادِكَ الصّالحينَ القانِتينَ، وَاجعَلني فيهِ مِن اَوْليائِكَ المُقَرَّبينَ، بِرَأفَتِكَ يا اَرحَمَ الرّاحمينَ).
الدعاء الشريف تعرض إلى ثلاثة مقامات التي من الممكن أن يحصل عليها الإنسان من خلال قوة ارتباطه بالله تعالى، وهذه المقامات والمنازل التي نتيجة هو نيل القرب الإلهي تمر بمراحل ثلاث:
- المستغفرين
- والصالحين
- الأولياء المقربين
فهؤلاء قد مروا بهذه المراحل ، حتى وصلوا إلى كونهم أولياء مقربون:
المرحلة الأولى:
مرحلة الإستغفار والتوبة والندم على ما مضى، والإستغفار هنا هو ذكر من أتى به بشروطه حصل على نتائجه وهي نيل القرب الإلهي والرضوان: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ). إذن.. الإستغفار هو حصول مقام عند الله، لكنه مشروط بشروط حددها باب مدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله) الإمام علي (عليه السلام) بقوله عندما سمع أحداً بحضرته يقول: (استغفر الله)، فقال له الإمام عليه السلام: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، أَتَدْرِي مَا الْإِسْتِغْفَارُ؟ الْإِسْتِغْفَارَ دَرَجَةُ الْعِلِّيِّينَ، وَهُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ: (أَوَّلُهَا): النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى. وَ(الثَّانِي): الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً وَ(الثَّالِثُ): أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اللهَ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ، وَ(الرَّابِعُ): أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا، وَ(الْخَامِسُ): أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اللَّحْمِ الَّذِي نَبَتَ عَلَى السُّحْتِ فَتُذِيبَهُ بِالْأَحْزَانِ، حَتَّى يَلْصِقَ الْجِلْدُ بِالْعَظْمِ، وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ، وَ(السَّادِسُ): أَنْ تُذِيقَ الْجِسْمَ أَلَمَ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاَوَةَ الْمَعْصِيَةِ، فَعِنْدَ ذلِكَ تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ). إذن.. الإستغفار هو يمنح العبد طاقة الذوبان والفناء مع الله عز وجل، وهو باب الإنابة ورجوع العبد إليه تعالى.
المرحلة الثانية:
هي مرحلة الصالحين القانتين، حيث أن العبد بعد أن حاز على مقام طهارة القلب وإزالة الحجب بينه وبين ربه من خلال إزالة حجاب المعاصي والذنوب وحصل على مقام المستغفرين، كان له الإستعداد لنيل رتبة إدخاله في زمرة الصالحين الذين اقتربوا من كل فضيلة وخير وابتعدوا عن كل شر ورذيلة، الذين صلحت سرائرهم وخلعوا عنهم شهوات الدنيا وتوجهوا بنية خالصة لوجهه الكريم ظاهراً وباطناً حتى ان مقام الصالحين مقام يطلبه الأنبياء والرسل (عليهم السلام)، فهذا النبي ابراهيم الخليل(عليه السلام) يدعوا الله بأن يلحقه بالصالحين: (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)، وهذا النبي سليمان(عليه السلام) يقول: (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) و هذا النبي يوسف (عليه السلام) يقول: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ). إذن.. نرى أن الأنبياء(عليهم السلام) يدعون الله عز وجل بأن يصلوا إلى مقام الصالحين، فهو مقام ومنزلة وليست صفة حيث أنهم (عليهم السلام) قد اتصفوا بالصلاح، بل هم قادة الصالحين ويقعون في قمة هرم الصالحين.
المرحلة الثالثة:
مرحلة الأولياء المقربين: وهي أن الإستغفار بشروطه التي ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام، يمكن أن يوصل الإنسان إلى الدرجات العالية، بعد أن يطهر نفسه ويجردها عن غرائز الدنيا وشهواتها فيصل إلى مقام الصالحين، وحينئذ يتحقق للإنسان مقام ثالث وهو مقام الأولياء المقربين, والأولياء المقربون اكتسبوا على منزلة عالية بعد أن عرفوا الله حق معرفته فأطاعوه وعبدوه وأخلصوا له خالص عبادتهم، كما وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) عبادتهم هذه بقوله: (الهي ما عبدتك خوفا من عقابك ولا طمعاً في ثوابك، ولكن وجدتك أهل للعبادة فعبدتك)، إذن.. عبادة المقربين والتي تجسدت في خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) فالدعاء يعلمنا كيف تكون علاقتنا مع الله عز وجل تبدأ من الإستغفار والتوبة والندم على ما مضى وطهارة القلب ثم نيل صفة أن نكون من الصالحين القانتين ثم نحصل على القرب الإلهي وهو أن نكون من الأولياء المقربين.
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر