بقلم: حسن كاظم الفتال
فلتتباهى الحناجر وتُسعد بل تزداد فخرا وزهوا حين تردد اسم الإمام الحسين صلوات الله عليه. حيث أن أصحاب هذه الحناجر يتحسسون رعشات اوردة القلب حين تباشرها رهبة الإنبهار وتعتريها هيبة جمال عظمة هذا الذكر. وتستنشق النَفْسُ أريج ذكره صلوات الله عليه.
فهو ترنيمة تتهجأها القلوب حرفا بعد حرف لتنتظم نبضاتها.
لم يكن مجرد اسم لفرد معين قابلٍ للتواري مع الاسماء خلف حجابات النسيان أو التجاهل أو التغاضي. ُإنما هو حسيس آية تضمنها مصحف المكارم نزلت من أوان وميعاد عالم الذر من سامقات مناقب القدرة.
وقدر لهذه الآية أن تبدأ بسملتها بتهجدٍ يصاحبه صليلُ السيوف . وقدر لها أن تتلى في وادي الطفوف حين يتنسم الوادي ريحَ النبوة ونسماتِ الإمامةِ فيتعطر ويغدو أريجُه مسكا أبديا لا يتاح للحقب المتعاقبة أن تستلبه.
حسين .. حسين النور الخامس من الأنوار المخلوقة قبل الخلق مع المصطفى صلى الله عليه وآله جده. الذي تعهد أن يقدمه أعظم قربان كوني. وأجل وأقدس ذِبحٍ عظيم لتبقى شرائعُ السماء زاهية . تتداخل بقبسات الضمائر ونقاوة القلوب وازدهار الأرواح التي قالت ( بلى) ساعة خاطب اللهُ جل وعلا الخلق مناديا: ( ألست بربكم )؟ فقالوا بلى ولهيبة وعظمة وجلالة القربان شاء الله عز وجل أن يختار له بقعة مباركة تليق باعتناق تلك الكرامة لتكون مأوى ومُنْزَلا مباركا وهدى للعالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم : ( وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ) ـ المؤمنون / 29
ذاك الإختبار كان لأرض كانت كربلاء المقدسة. التي تاقت الكعبة أن تآخيها.
تلك كعبة للطواف وهذه كعبة للقلوب والألباب والأرواح والضمائر.
هنا كربلاء ..
أختصت بما لا تختص به غيرُها وتميزت واي تميز. حيث أن كل البقاع يحكمها قانونُ نظام مسارات الظواهر الكونية. لا الشمسُ ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار.
إلا في كربلاء الحسين صلوات الله عليه لأنها كربلاء كَرَبَت الشمس أي اقتربت. وأدركت الشمس قمرا تلألأ نوره وانفلق في الطف ليضئ الطريق إلى العلقمي ليستقي منه الظامئون شرفا وفخرا وعزا وكرامة.
هنا في كربلاء تسابق الليل والنها. وحين كاد الليل أن ينشر ظلمته لتتسع مساحة الدياجير.. ويغادر النورُ نصاعة الأرض وتبتلى باسوداد معتم قاتم تمقته الرحاب.
ولأنها كربلاء التقى بها ضياء الشمس بنور القمر واتحدا لتندحر العتمة والدياجير. ولتكون مهبطا ومستقرا وحاضنة للملائكة الكروبيين ولروح القدس . وآثرت الملائكة البقاء هنا على العروج إلى السماء . وهي تردد الآية الكريمة : ( وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ) ـ الأنبياء / 50
ومضت تطوي الأجنحة لتهوي على ثرى تلك البقعة وتتمرغ على تربها . وتعفر أجنحتها . ثم تنثر زغبها .ليتوسده بعد حين الطهر المتمثل بجسد مقدس.
ومن الملائكة ما توسلت بالله لأن تستقر في وادي كربلاء . لتتوسد جنبات الوادي . متيقنة بأنها ستظلل يوما ما بأجنحتها هيكلَ القربان المحمدي . وتقيه حر الشمس وتفترش له الرمضاء ولم تعرج إلا عند آن أوان معراج روح إنفلتت من شهقة روح رسول الله صلى الله عليه وآله الذي كانت نتعش روحه الطاهرة حين يستنشق أريج وعبق تلك الروح .
ثم عادت الملائكة لتطوف حول جسدٍ عطر الأرض فشعت بالزهو والعنفوان وحظيت بالطهر إذ هو طهر طاهر مطهر من طهرٍ طاهر مطهر.
ها هنا تفجر ينبوع نحره فانسل منه ذكر حكيم وتدفق نور وإبراق. انثال على الثرى ليخط آياتٍ تفصح عن قربان تقبله الله في وادي الطفوف ليضئ بنوره جنان الخلد.
وديس صدره الغض المشرف المحتمي بأضالعه القرآن المرتلة آياته بتهجدات ملائكية ملكوتية تهدي للتي هي أقوم.
لذا من أجل أن تنتسب الأرواح إلى الشرف والكرامة والعزة راحت تتهافت والقلوب تتهاوى على ثرى كربلاء المقدسة لتستنشق ضوعا من طيب نفحات دم طاهر زكي نقي إنساب من أشرف وأطهر نحر ليفتدي العقيدة ويؤسس نقطة الشروع إلى ميادين القيم والمبادئ الإنسانية والكرامة والعيش الرغيد.
لذا أمست الأفئدة تتبتل بكل خشوع وتوقير بتلك الآيات وتحيلها إلى شهقات نفحاتُها لبيك يا حسين.