- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الشعائر الحسينية.. دلالات وأهداف ونتائج - الجزء الخامس
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
الشعائر المسنونة: أي تلك الشعائر التي سنها الإمام المعصوم (عليه السلام) وعمل بها أو نص عليها، وقد ذكرنا منها هو شعيرة البكاء وكذلك شعيرة المأتم الحسيني (المجلس)، وسنذكر تطبيقا ثالثا لها هو انشاد الشعر والرثاء على سيد الشهداء (عليه السلام).
ثالثا: إنشاد الشعر والرثاء
ان الادلة الفقهية فيها درجة من الوضوح على مشروعية الرثاء وإنشاد الشعر لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام من خلال استقبال الائمة (عليهم السلام) للشعراء وتشجيعهم على ذلك ،بل احيانا بطلب منهم (عليهم السلام) وقد يتضمن الشعر كلاما يصف فيه الشاعر خصال ومناقب للشخص الموصوف بعد فقدانه بما يحمل من مشاعر وحزن لإثارة المشاعر وعواطف المتلقي٠
وقد كان القاء الشعر والرثاء تطبيقا واضحا لاحياء تفاصيل ملحمة الطف بما تحمله هذه الشعيرةكعنصر من عناصراثارة المشاعر وتاجيجها ضد الظلم والانحراف ومرتكبي الجريمة وسفاكي الدماء. لذا فقد حرص اهل البيت(عليهم السلام) على اشاعة هذا الأسلوب الشعري كأسلوب من أساليب اثارة المظلومية في وسط الرأي العام تحفيز الرفض الظلم والانحراف والعنف والجريمة٠
لذا فان هذا الأسلوب يعد أسلوبا إعلاميا وتربويا في ان واحد، فهو ينطوي في حقيقته على بعدين:
ـ الأول: بعد يتمثل برفض الباطل والظلم المتجسد في حكم بني أمية ٠
ـ الثاني: بعد عقائدي والذي يتجلى في علاقة الإنسان بأهل البيت (عليهم السلام)٠
فهذه قصيدة للسيد الحميري في حق ملحمة الطف، وبيان بعد المظلومية والبعد العقائدي والاعلامي فيها،فيقول في مقدمتها:
أمرر على جدث الحسين وقل لأعظمه الزكية
يا اعظما لازلت من وطفاء ساكبة روية
مالذ عيش بعد رضك بالجياد الأعوجية
قبر تضمن طيبا اباؤه خير البرية
اباؤه اهل الرياسة والخلافة والوصية
وَالخَيرِ والشِّيــــمِ المهذَّبـــةِ المَطيّبةِ الرّضيّه
فبين رضوان الله عليه: بعد المظلومية والفاجعة التي حلت بأهل البيت عليهم السلام) وكذلك ببان ان اهل البيت عليهم السلام هم اهل الخلافة والوصاية والامامة الالهية٠
فالشعائر هي ليست تجمع كتل بشرية او ممارسة طقوس معينة وتنتهي بخطاب معين، بل هي مناسبات لتجديد الولاء والبيعة لأئمة الهدى والتمسك بالاسلام كدليل عمل من خلال استذكار ملحمة الطف باعتبارها قد تجسد بها الإسلام ومحطة لينهل منها الانسان معالم الدين ومفاهميه٠
فالشعر اسلوب من الأساليب التي اتبعها الأئمة الأطهار(عليهم السلام) في نشر القضية الحسينية واثارتها وإبراز فجائعها في الوسط الاجتماعي للأمة٠
ورسم اهل البيت (عليهم السلام) الخطوط العريضة من خلال خطوات هادفة ومنتجة من خلال أسلوب الشعر وألقائه في الوسط الاجتماعي للامة، وان الائمة قد اتخذوا اساليبا معينة ليأخذ الشعر دوره الاعلامي والتربوي في ربط مشاعر الناس وتأجيج عواطفهم لغرض التماسك الروحي والفكري مع القضية الحسينية من خلال التضمين الشعري للقضية٠
وقد اتخذ الائمة (عليهم السلام) خطوات ممنهجة لإنجاح هذا الأسلوب حتى يعطي ثماره التبليغية والتغييرية٠ وكانت الخطوات قد تجسدت بما يلي:
ـ أولا: تشجيع الأئمة للشعراء والطلب منهم بنظم الشعر والقائه كما في طلب الإمام الرضا (عليه السلام) عندما دخل عليه دعبل الخزاعي حيث قال له: يادعبل أحب أن تنشدني شعرا فأن هذه الأيام ايام حزن كانت علينا أهل البيت وأيام سرور على أعدائنا.....ثم نهض ع فضرب سترا بيننا وبين حرمه وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكو على مصاب جدهم الحسين ثم التفت إلي وقال: يا دعبل ارثي الحسين فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيا فلا تقصر في نصرتنا إن استطعت.
قال دعبل: فأستعبرت فسالت عبرتي وانشأت اقول:
أفاطم لو خلت الحسين مجدلا
وقد مات عطشانا بشط فرات
اذن للطمت الخد فاطم عنده
وأجريت دمع العين في الوجنات
ـ ثانيا: التركيز على الوجه المأساوي لمعركة كربلاء من خلال أسلوب الرثاء في الشعر وتدخلهم في ذلك وهذا ماقام به الإمام زين العابدين عليه السلام عندما دخل ركب السبايا إلى المدينة طلب من بشر بن حذلم أن ينعى الامام الحسين عليه السلام لاهل المدينه فقال له: ادخل المدينة وانع أبا عبدالله عليه السلام قال بشر :فركبت فرسي فلما بلغت مسجد النبي ص رفعت صوتي بالبكاء وانشأت اقول :
يا أهل يثرب لامقام لكم بها
قتل الحسين فأدمعي مدرار
الجسم منه بكربلاء مضرج
والرأس منه على القناة يدار
فهذا الأسلوب الشعري يعكس الوجه المأساوي للفاجعة ويأجج مشاعر السامع .
ـ ثالثا: بيان طريقة القاء الشعر كما حدث ذلك في قضية الإمام الصادق (عليه السلام) مع ابي هارون المكفوف٠ فعندما دخل ابو هارون على الامام الصادق(عليه السلام) يقول: قال لي يا ابا هارون أنشدني في الحسين، قال: فأنشدته:
امرر على جدث الحسين.... وقل لأعظمه الزكية......
مالذ عيش بعد رضك....
بالجياد الأعوجية....
قال: فبكى ثم قال زدني: فأنشدته القصيدة الاخرى فبكى وسمعت البكاء من خلف الستار (بكاء وعويل النساء)٠
نستنتج مما سبق ان الائمة (عليهم السلام) قد اتبعوا الأساليب المؤثرة في نفس المتلقي لترويج ملحمة الطف واثارتها في عواطفهم لغرض اعلامي وربط الناس بها لأغراض ومقاصد من أهمها حفظ الكيان الشيعي من خلال ابقاء جذوة كربلاء في نفوس المؤمنين٠
أقرأ ايضاً
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة