بقلم: حسن كاظم الفتال
وأنا أقدم برنامجي الموسوم (راصدٌ على الهواء) عبر أثير الإذاعة وردت تساؤلات من قبل بعض المستمعين المتابعين لي أوردها وأورد أجوبتها .
• هل نحن من أصحاب العقول الرائدة لكي نكون من أصحاب العيون الراصدة ؟
• هل نمتلك بصيرة لنخفي نوايانا بضياء البصيرة لنكون قادرين على إنارة الطريق لطلاب الحقيقة ؟
• هل نمتلك البصيرة لنرصد توقع العدو لفهمنا له بعمق ورصدنا له بدقة ومراقبتنا له بهدوء ؟
• هل نحن من أولئك الذين يلتقطون الإشارات بسرعة ولا يكون رصدهم رصدا ساخرا ؟
• هل نستطيع أن نطلق الإشارات في الوقت المناسب لمعرفة خطط الخصم لرصد ردود فعلنا اتجاه فعله ؟
ما هي البصيرة ؟
بداية دعونا نتحرى على معرفة البصيرة : قال رب العزة والجلالة في كتابه الكريم ( بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) ) ـ القيامة وأما رسول الله صلى الله عليه وآله فقد قال : ( ليس الأعمى من يعمى بصره، إنما الأعمى من تعمى بصيرته ).
يعرف العلماء والباحثون والمختصون بالشأن العلمي المعرفي البصيرة بأنها قوة الإدراك والفطنة وتوصف بأنها العلم والخبرة
أو هي القرينة التي يهتدي بها الشخص أو الدليل الذي يستدل به أو المائز الذي يعتمده للفرز بين ما هو جيد وما هو رديء وبين الحق والباطل ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) يوسف / 108 وتقترن البصيرة بالفراسة لذا نسمع ونقرأ أحيانا عن فطنة المؤمن أو فراسته وعكس ذلك نسمع أحيانا أن هنالك من هو أعمى البصيرة وأعمى البصيرة أشد عمى من أعمى العين .
o فيقال أن فلانا فعل ذلك عن أرادة قوية وبصيرة حادة وعن عقيدة وراي حصيف نافذ البصيرة وأن فلانا ذو ذهن وعقل ثاقب، ذكيّ وهو من أهل البصائر وقال تبارك وتعالى : ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ) ـ الأنعام / 104
إذاً جمعها بصائر والبصيرة هي حُجّة ودليل وشاهد، ما يُستدلّ به وعقل وإدراك وفِطْنة ونظر نافِذ إلى خفايا الأشياء ولابأس إن عرفها أحد بأنها خلاصة لبعد النظر
نافذ البصيرة يعني ذا عقل متفتح واعٍ ٍ مستنير وذهنية حادة .
كلما تقدم من حديثي هذا وكل ما قيل يختزله قول سيد البلغاء وإمام الفصحاء الإمام علي صلوات الله عليه إذ يقول : نظر البصر لا يجدي إذا عميت البصيرة ويقول صلوات الله عليه : بالهدى يكثر الاستبصار
كما يقول صلوات الله عليه: فقد البصر أهون من فقدان البصيرة ويقول صلوات الله عليه ليست الرؤية مع الإبصار، فقد تُكْذِب العيونُ أهلها، ولا يَغِشُ العقل من استنصحه .
خلاصة الخوض في المقصد
في هذه المقدمة لعلنا أوجزنا تعريف البصيرة بكل اختصار ربما وسعنا أن نتعرف على أصل جوهرها وما تنطوي عليه من معانٍ ومغازٍ فهي إذن خاصية ينفرد بها أهل الحجى وهي ملازمة للتعقل ومحور ومرتكز الضمير إن صح التعبير .
والتعاطي بها عسى أن يجعلنا نكون على بينة من خفايا كثيرة وهي أداة للتمحيص والتدقيق والفهم الوافي وبكل وضوح وبوعي تام .
فحين يتسم أحدٌ بهذه الخاصية المهمة التي هي البصيرة ويتصف بها حق الاتصاف فمن المحتم سيكون بكامل الأهلية للرصد والمتابعة وإذ هو بلغ مرتبة القدرة بكل دقة وإتقان على التمييز والفرز بين الحق والباطل بين الشر والخير بين النافع والضار .وعند ذاك يجتنب كل ما يجب اجتنابه ولا يسلك إلا سبيل الصلاح وبلوغ الفلاح .
عند ذاك يحق لنا أن نزعم بأننا من أصحاب العقول الرائدة التي توعز للعيون لأن تكون عيونا راصدة ونتقمص بكل استعداد وبأحقية تامة دور الراصد ونلتقط الإشارات بسرعة فائقة تتناسب مع وقوع الأحداث وكذلك مع سرعة ردود الأفعال
ونكون قادرين على إضاءة الطريق لطلاب الحقيقة ولمن يود سلوك سبيل الحق أو سبيل المعرفة والإطلاع على ما أخفت وأَسَرَّت بعض النوايا .
ويمكننا ذلك من أن نكون فعلا نطلق الإشارات بالوقت المناسب لمعرفة خطط الخصم إن وجد الخصم ووجدت الخطط ونحدد برصدنا ردود فعلنا إتجاه فعله مهما كانت قوة ذلك الفعل . تطبيقا للقاعدة التي تنص على أن( لكل فعلٍ رد فعل يساويه بالقوة ويعاكسه بالإتجاه ) وعسى أن نقف على شرفات الواقع لنطلع على الكثير من الحقائق فنكون من العارفين المبصرين ونحظى بالفلج .
أقرأ ايضاً
- النفط.. مخالب في نوفمبر وعيون على الرئيس القادم لأمريكا
- المرجعية الدينية.. مشاريع رائدة وطموحات واعدة
- هجرة العقول العراقية والعربية: اسبابها ونتائجها وحلولها