- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
تظاهرات مشروعة تتبعها حلول معقولة
عباس الصباغ
«من حق شعبنا ان يطالب بحقوقه وتحسين الخدمات ومن واجبنا تلبيتها والاستجابة للمطالب التي تتم بطريقة سلمية وعزل المسيئين» بهذه الكلمات العميقة اختزل رئيس مجلس الوزراء د. العبادي جوهر قضية المظاهرات التي اندلعت مؤخرا في مناطق الوسط والجنوب، فلم تكن المعاناة التي بسببها انفجر الشارع البصري وليدة المرحلة الحالية او الظروف الانية فحسب بل هي مستديمة ونتاج تراكمات لأخطاء حكوماتية تمتد الى ماقبل 2003، من حيثُ سوءُ التخطيط الستراتيجي المتعمّد في رفع المستوى المعاشي لاغلب المواطنين العراقيين والذي رافق التاسيسات الدولتية المتعاقبة والفاشلة، والتي سبّبت التهميش والاقصاء واللامبالاة وترك جماهير محافظات الوسط والجنوب يعانون شظف العيش ويرزحون تحت خط الفقر مع جعلهم وقودا لمغامرات عابثة لاناقة لهم فيها ولا جمل مع دول الجوار ، وبعد 2003 لم يتغير الوضع كثيرا عن السابق فقد بقيت المعاناة كواقع حال، بل ازداد الامر سوءا، لاسيما في الجنوب وبالأخص مدينة البصرة الي تعد رئة العراق وبوابته على العالم الخارجي وسلته التي ترفده من خيراتها مايسد رمق شعبه وتديم عجلة اقتصاده الريعي ومفردات موازناته الاتحادية. فالمعاناة اذن ليست انية او مرحلية وانما مستديمة ومستعصية، وكانت اشبه بقنبلة موقوتة آيلة للانفجار في اي وقت كما حدث إبان انطلاق شرارة الانتفاضة الشعبانية ومن البصرة ايضا كرد فعل على الاهانة التي وجهها النظام السابق للمؤسسة العسكرية العراقية اثناء حرب الخليج الثانية، والتاريخ اعاد نفسه ولمعاناة مشابهة ولم تكن بقية المحافظات بعيدة عن هذه المعاناة وبدرجات متقاربة الا ان البصرة كانت لها حصة الاسد منها وماتزال .
وحين انفجر الوضع في البصرة ومنها الى بقية المناطق على شكل مظاهرات سلمية مشروعة تحت كفالة الدستور وتأييد المرجعية العليا لم تكن مطالب المتظاهرين فيها تعجيزية او طرحت بأسلوب ليّ الاذرع او فوق قدرات الحكومة بل كانت متفهمة للوضع المادي الحرج للحكومة فالجميع يعلمون صعوبة مرحلة مابعد داعش واستحقاقاتها وموسم انتهاء الانتخابات واستحقاقاته، فلم تكن مظاهرات دون هدف او لإحداث فراغ دستوري على طريقة انقلابية كـ (الشعب يريد اسقاط النظام ) الشائعة في بعض الدول.بل كانت مظاهرات هي قمة في التحضر في ايصال مطالب الجماهير المنهكة بسبب شظف العيش والنقص الواضح في مناسيب الخدمات وشحة فرص العمل وندرة التعيين خاصة للخريجين منهم، ولهذا تموضعت مطالب المتظاهرين حول محورين اساسيين الاول كان حول توفير الحد المعقول من خدمات البنى التحتية المتعلقة بالمستوى المعيشي للمواطن والتي حرم منها الشارع البصري على وجه الخصوص كالكهرباء والماء الصالح للشرب وبقية الخدمات التي تتعلق بالبنى التحتية المتهالكة، وتجلى المحور الثاني في توفير حد معقول من فرص العمل. فالحكومة رغم الازمة المالية التي تعاني منها منذ 2014 بسبب تذبذب اسعار النفط في سوق النفط العالمية ما اثر سلبا على الاقتصاد الريعي العراقي المعتمد اعتمادا شبه كلي على النفط ورغم ان الحكومة لاتمتلك عصا سحرية لمعالجات "خارقة" وفورية فهي لم تزل مكبّلة باشتراطات صندوق النقد الدولي بخصوص التعيينات، الا انها لم تقف مكتوفة الايدي او تجاهلت تلك المطالب فقد تصرفت بحكمة بالغة وسعة صدر تجاهها ولم تسوّف في تنفيذ تلك المطالب الى ان يهدأ الوضع كما اشاعت بعض وسائل الاعلام المغرضة بعدم جدية الحكومة والامر كان خلاف ما اشيع، وكان على الحكومة عدة مهام منها معالجة هذه الفورة بتروٍ وحكمة وحماية المنشآت العامة والخاصة، لاسيما بعد الاعمال المؤسفة التي قام بها بعض المندسين بين المتظاهرين وذلك ليحرّفوا المظاهرات عن وجهتها الحقيقية الا ان المتظاهرين عموما تحلوا بالوعي الوطني والروح الوطنية من خلال طرحهم لمطاليبهم وتعاملهم مع الاجهزة الامنية التي وضعت لخدمتهم وحمايتهم ويكشف هذا الوعي عن العمق الاستراتيجي الحضاري والاخلاقي والثقافي والوطني للشعب العراقي(متظاهرين كانوا ام اجهزة امنية) والذي رفض الاعمال غير اللائقة التي قام البعض تحت يافطة المظاهرات كونه تمتع بوعي وطني عالي من خلال توصيله لرسائله ومظلوميته وبطرائق سلمية وحضارية، اما الاستجابة الجدية من قبل الحكومة لمطالب المتظاهرين فهي معالجات جاءت متأخرة بعض الشيء، الا انها استحقاقات متراكمة وآن الاوان لتحقيقها وفق خطط واجراءات عاجلة ومتوسطة وبعيدة المدى بحسب الاولويات.
أقرأ ايضاً
- هجرة العقول العراقية والعربية: اسبابها ونتائجها وحلولها
- الطلاق ليس آخر الحلول
- البطالة والتظاهرات وثورة الجياع