بقلم: هدى الحسيني
تمر علينا هذه الايام، ذكرى الفتوى المباركة التي صدرت بأشد اللحظات العصيبة التي كان يمر بها البلد.
لحظات لايمكن ان تُنسى، بعد أن سقطت المدن واحدة تلو الأخرى وبعد أن وصلت وحوش الظلام على اعتاب مدينة بغداد، وكانت قاب قوسين او أدنى من مدينة كربلاء، الكل بدى عاجزاً، جيش منكسر ومهزوم، والسياسيين بدأوا بتجهيز حقائبهم للهروب وترك البلد يغرق، واصبح الصمت سيد الموقف، والجميع مذهول ومترقب بعيون شابحة، لكن من بين هذا الصمت، انطلقت صرخة مدوية، من على منبر الجمعة في كربلاء؛ ليعلن ربان العراق فتوتهِ المباركة التي انقذت سفينة العراق من الغرق.
حينها هبّ رجال العراق الغيارى شيباً، وشباباً، وأخذوا يتسابقون فيما بينهم على مكاتب التسجيل، التي ضجت بجموع المتطوعين، الذين ينادون لبيك ياحسين .. لبيك ياحسين، وكأن واقعة الطف عادت من جديد، وكأن الذين لبوا نداء المرجعية هم أنصار الامام الحسين عليه السلام في هذا الزمان.
هذه الفتوى التي لم تكن في الحسبان، قلبت الطاولة على المتآمرين من اعداء العراق في الداخل والخارج، وافشلت جميع مخططاتهم، حيث كان في اعتقادهم ان المرجعية الدينية، تطاع في الأمور الشرعية فقط، لم يتصوروا أن ابناء المرجعية مستعدون للتضحية بأرواحهم، واموالهم، تلبيةً لنداء المرجعية الدينية.
وانطلقت معارك التحرير، وبدأت بشائر النصر تلوح في الأفق، وكانت أولى هذه البشارات من آمرلي الصمود، ومن ثم الضلوعية، وبعدها جرف الصخر؛ ليكتب فيها الابطال حكاية نصر، ويتحول اسمها الى جرف النصر، ثم راحت تتوالى الانتصارات، وهزائم شذاذ الآفاق الذين جاءوا من كل حدبٍ، وصوب مدعومين من دول الشر بالسلاح والاموال، وأجهزة مخابرات عالمية، تساندهم خيانة داخلية عسكرية وسياسية ممن يحسبون على هذا البلد، وهم في الحقيقة كالسرطان المستشري في جسده .
ولم تمرّ إلا شهورٍ قلائل، حتى تمكن ابناء المرجعية الأبطال، من تحرير مدينة بلد الصمود، ويثرب، وقرية البوفدعوس، والبو حشمه والدور ليصدح الآذان في تكريت لأول مره بـ أشهد أَنَّ علياً ولي الله، بصوت الشهيد مله مرتضى الشميلاوي، لتستمر بعدها ملاحم الانتصارات في بيجي، ومكحول، وتلال حمرين والفلوجة، والأنبار الى أن تم تحرير الموصل بالكامل، وإستعادة جميع الاراضي المستباحة من سيطرة نظام داعش البربري .
تحدث الكثيرون عن هذه الفتوى المقدسة، التي اذهلت العالم وكتب الكثيرون عنها؛ لأنها كانت عابرة للطائفية، والاديان لم تفرق بين مسلم، أو مسيحي، او ايزيدي، فقد كانت لكل العراقيين، بغض النظر عن انتمائهم الديني، أو العقائدي، وهذا الأمر لم يحدث سابقاً في أي بلد؛ لان السيد السيستاني هو أب لكل العراقيين ولطالما حمل همومهم، وكان صمام امان لهم.
بعد مرور 8 سنوات على انطلاقة فتوى الجهاد الكفائي، كثيراً مانتسائل ماذا سيكون حالنا لو لم يكن السيد السيستاني موجود؟ كيف سيكون الموقف لولا الفتوى المباركة؟ يتراءى لنا منظر نسائنا سبايا، وهن تحت رحمة التكفيرين، واطفالنا يباعون في سوق الرقيق، لكن نحمد الله، ونشكره كثيراً على نعمة وجود السيد السيستاني، الذي مهما قلنا لن نفيّ حقة ابداً، سنبقى مدينين لهُ ماحيينا، بل ستبقى كل الاجيال القادمة مدينة لهذا الرجل العظيم لأن هدف هذا التنظيم المجرم كان سرقة حاظر العراق، ومستقبل ابناءه.
الرحمة، والخلود لشهدائنا الابرار، الذين قدموا ارواحهم قرباناً لهذا البلد، سنتذكركم يا أبطال في كل صباح، ومساء؛ فلولا دمائكم الطاهرة لم يتحقق الامان في ربوع الوطن.
تحية لكل حرة عراقية ابية، قدمت إبنها وزوجها وأبيها؛ لتحرير تراب هذا البلد من دنس الارهاب .
الف تحية لكل المجاهدين الابطال، الذين مازالوا مرابطين في جبهات القتال يتحملون حر الصيف، وبرد الشتاء للدفاع عن الارض، والعرض وجعلوا صدورهم دروع لحماية هذا البلد، حماهم الله وحفظهم، ونصرهم نصراً مؤزراً على عدو الله وعدوهم.
أقرأ ايضاً
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة / 2
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة
- في الولادة المباركة الى سيد الوصيين وإمام الموحدين(عليه السلام)