- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
النجف تصدّت والجماهير لبّت والفتوى انتصرت
حجم النص
بقلم:حسن الهاشمي
في الذكرى السنوية لانتصار الفتوى على الفوضى، نستذكر جميعا أولئك الفتية الذين لبوا نداء فتوى الدفاع الكفائي التي اطلقتها المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، أولئك الذين دافعوا عن الأرض والعرض والمقدسات، كل هذا لم ينبعث من فراغ، وانما ثمة منظومة قيمية واجتماعية وأخلاقية استندوا اليها، ابتداء من جبلة النفس التي اوثقتها قيم السماء ببذل الغالي والنفيس من أجل اعلاء كلمة الله التي فيها اعلاء لكيان البشر، ومرورا بتوصية الرسول الأعظم والأئمة الهداة من بعده باستنهاض الهمم للذود عن النفس بعد مداهمة العدو، وتأكيدهم بانه ما غزي قوم في عقر دارهم الا ذلوا، وانتهاء بفتاوى جميع المراجع الربانيين الذين افتوا بان الدفاع عن النفس واجب يقدر بقدره، وفتوى السيد السيستاني "حفظه الله تعالى" انما هي امتداد لتلك البوتقة التي انصهرت فيها القيم بالفطرة السليمة، فأنتجت أسد الشرى يتطاير من أحداق عيونهم شرر الغيرة على الوطن والمقدسات من ان يقع بأيدي اعتى ناس عرفتهم البشرية في العصر الحديث.
هذا ما أكّد عليه المتولّي الشرعيّ للعتبة العباسية المقدسة السيد أحمد الصافي في قوله: "إن فتوى الدفاع الكفائي قلبت الموازين وغيّرت معادلاتٍ بأكملها، وما زاد الفتوى وقدّم لها المدّ الكبير هي الاستجابة السريعة والفورية من الشباب، الذين لم يبلغ بعضُهم الحلم". جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها في افتتاح النسخة الأولى من مهرجان (عين الحياة) الذي أطلقته مؤسّسة القبس للثقافة والتنمية، بالتعاون مع العتبة العباسية المقدسة على أرض معرض بغداد الدولي.
وقال السيد الصافي خلال كلمته في المهرجان: "ان أرض العراق هي منجم للكثير من الفضائل والعلماء، وأن الفتوى وريث جيّد لتأريخٍ حافل بالتضحيات"، مؤكداً أن "المرجعية الدينية أدركت الطريقة المُثلى للتعامل مع العصابات الإرهابية، من خلال مجابهتها بالجماهير القويّة التي تملك الإرادة حين كان الطريق مسدوداً، لتجيء سطورُ الفتوى وتحطّم إرادة مَن كان يراهن أنّ مدّة الانتصار تحتاج إلى ثلاثين سنة".
وحول ضرورة حفظ التضحيات دعا السيد الصافي إلى: "حفظ الحقائق وتوثيق تضحيات الشعب العراقي" مبيناً: "أنّنا شعب نضحّي ولا نوثّق وبذلك يُسرق التاريخُ منّا دائماً، وهذا ما يجعلني أدعو الجميع إلى عدم التقصير في حفظ الحقائق وتسجيلها، لكي تتعرّف الأجيال القادمة على الأحداث التي مرّت بها البلاد، وكيف تصدّى أهل الحق إلى دحر الباطل".
وأكّد: "من الحقائق التي يجب تسجيلها أنّ النجف هي من تصدّت لداعش، فالطريق كان مسدوداً إلّا من باب الفتوى، فكانت مفتاحاً للنصر واستعادة المدن العراقية ودحر العصابات الإرهابية".
نعم ان ارضا فيها علي وحسين وعباس لا يقبل ساكنوها ان يعيشوا بضيم ولا يقبلوا بذل أبدا، هذا الذي الهمهم صبر وثبات الامام علي عليه السلام، واستثار فيهم صرخة الامام الحسين عليه السلام بوجه الأعداء، ونثّ من بين جوارحهم وجوانحهم غيرة العباس عليه السلام، وأضفى عليهم شكيمة المرجعية الدينية العليا ارادة صلبة لا تلين، فضخّتهم تلك الينابيع المتدفقة بهالة من الصبر والثبات وجعلتهم كزبر الحديد، مرابطين في السواتر، متخندقين في الجبال والسهول والوديان، متحملين حرارة الصيف اللافح وبرودة الشتاء الصاقع، واضعين أرواحهم على الأكف تلبية لنداء العز والشرف والكرامة، تاركين وراءهم النساء والولدان وبهارج الدنيا الزائلة، ولعل الذي جعلهم يتحملون كل تلك المتاعب والمصاعب انهم يستلهمون ثورة الامام الحسين عليه السلام في الدفاع عن القيم والعقيدة التي كانت مهددة سابقا بعنجهية يزيد ولاحقا بغطرسة الارهاب.
وأوجه الشبه مازال ماثلا للعيان: قيم مهددة من قبل طغمة فاسدة، انبرى للقيم رجال دقوا اسفين المقاومة في الشعوب الحرة، وانخدع بالشر اناس اغواهم الشيطان بمكره واباطيله، فكان تأثير النهضة الحسينية واضحا على أهل الغيرة والحمية الذين لا همّ لديهم سوى الذود عن تراب الوطن وعقيدة ابنائه من ان تدنسه شذاذ الآفاق، الذين لا هدف عندهم سوى القتل والدمار وانتهاك الأعراض ونهب الخيرات واذلال الملة وتدنيس الأرض، ولا حيلة للوقوف بوجه تلك المخططات الدنيئة سوى المقاومة والانتصار، وكانت جرذانهم مرتعدة الفرائص، مصابة بالذهول ومتهيئة للجفول، والابطال الأشاوس قد انقضوا على تلك الشرذمة، وخلصت العباد والبلاد من شرورهم وظلمهم وفسادهم، ولم يأت ذلك الزهو والرفعة والشموخ اعتباطا، وانما جاء بفيض الدماء ومسك الشهادة وعطر الخلود وصرح الهمم.
نعم لقد انبرى لتلك المهمة الرائدة اناس احبوا الله تعالى وأحبوا الرسول الأعظم وأحبوا الأئمة الهداة ونوابهم الحماة، ولقد أحبهم الله تعالى والأنبياء والأولياء والصالحين، وكيف لا وهم قد خاضوا اللجج وبذلوا المهج، وفي هذا المسار حققوا الانتصار، من أجل ان يعيش الناس بحرمة وأمان وعزة وفخار؟! انبرى لتلك الملحمة الكبرى خيرة ابناء المجتمع؛ للذود والدفاع عن خيرة الأهداف وأنبلها وأعزها وأكرمها عند أهل العزائم، ووقف وراءهم من وقف وساندهم من ساند وآواهم من آوى وشجعهم من شجّع وآزرهم من آزر، وهؤلاء الذين اصطفّوا بجانب الحق انما شاطروا ليوث الوغى وفرسان الهيجا ولو بالحد الأدنى تاركين الحد الأعلى لرجاله وهم تيجان الرؤوس وسلطان النفوس، لعل الذي دفعهم الى هذا الموقف المآزر انهم وضعوا حديث الرسول الأعظم نصب الأعين ومستقر الألسن: (مَنْ جَهّزَ غَازِياً في سَبِيلِ الله فقد غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِياً في أهْلِهِ فَقَدْ غَزَا). وبين أولئك وذينك تبقى فتوى الدفاع الكفائي هي التي قلبت كلّ موازين الأعداء وغيّرت معادلاتٍ بأكملها، وارجعت الأمور الى نصابها من العيش بعزة وكرامة بعيدا عن الذلة والمهانة التي يحاول الاعداء ايقاع المغفلين في شراكها، ولكن يبقى رجال الله تعالى لهم بالمرصاد.
أقرأ ايضاً
- النجف من الترقيع إلى الاستراتيجية!
- النجف مع إزالة كيان الإحتلال الإسرائيلي
- "العيش على المعثرات " في مباراة النجف وكربلاء