- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الفائز النهائي في الحرب الأوكرانية
بقلم: محمد جواد ظریف - وزير الخارجية الايراني السابق
أوروبا قديمة وضعيفة وغارقة في عدم الكشف عن هويتها. أمّا الولايات المتحدة الأمريكيّة فقد أصبحت ، وعلى نحو متزايد، غير مهنيّةٍ في الدفاع عن القيم التي تدّعيها.
لكن الحقيقة هي أنه لا يمكن الحديث عن القضايا السياسية بمنطق البطولة والفروسية .
إن عدم وجود رد عسكري من "الغرب" على روسيا الآن هو فعلٌ منطقي، وهناك الكثير من الذكاء وراءه ، على الرغم من أن الغرب، بلا شك، هو كيانٌ"غير مقاتل".
إن هذا "الانتصار" المدوي لروسيا سيؤدي إلى هزائم كبيرة لروسيا في نهاية المطاف، الأمر الذي سيؤثّر سلباً على روسيا في المدى الطويل. ويبدو أن الغرب قد تعمد دفع روسيا للسير في هذا الاتجاه.
لقد توقع الخبراء الأمريكيون هذا الذي يحدث الآن منذ منتصف التسعينيات. يومها تم تحذير كلينتون ، من انّ توسع الناتو شرقاً من شأنه أن يقود روسيا في اتجاهٍ غير سار.
لم تتمكن روسيا من وضع "تدابيرها" لمواجهة توسع حلف الناتو شرقاً موضع التنفيذ لمدة عقدين (انضمت المجموعة الأولى من دول الكتلة الشرقية إلى الناتو في عام 1999 ، ووصل الناتو إلى حدود روسيا في عام 2004).
إذا نظرنا إلى القضايا الرئيسة بهذا الصدد على مقياس"سنوي"، سنجد أن روسيا قد أعطت إجابة مفزعة للغرب، وللغربيين الأوكرانيين. لكن دراسة "سياقات" التاريخ، وتحليل معطياتها، والتحكّم بنتائجها، لا يكونُ على مدى سنواتٍ قليلةٍ فقط، بل يمتدُّ لـ "عقود".
لم تبدأ مشكلة روسيا مع بدء هذا الغزو فحسب، بل هي محكومة و مقيدة أيضًا بطريقةٍ للتعامل مع هذه المشكلة، بطريقةٍ تجعل هذه المشكلة غير قابلةٍ للحلِّ الآن، ولن يكون حلّها سهلاً على المدى القصير، وسيتم التعامل معها بما تستحّق على المدى المتوسط، وليس الآن.
لفهم السبب، نحتاج إلى كتابة بيان عن المشكلة بشكلٍ صحيح.
توصيف المشكلة الذي تطرحه وسائل الإعلام هو الشكل الخطأ للمشكلة.
إنّها ليست مسألة مواجهة روسيا للغرب.. لذا ، وبدلاً عن هذه المقارب ، فإن السؤال هو: "ماذا يجب أن تفعل الدول المجاورة لروسيا وهي تجد نفسها محشورةً بين حقلي الجاذبية في الشرق والغرب؟
إنّ ما جعل الناتو يتمدّد شرقاً هو إرادة هذه الدول، وسعيها للإنضمام للحلف، وليس إرادة أو رغبة الولايات المتحدة أو دول الناتو فقط. إن رغبة جيران روسيا في إقامة تحالف عسكري مع الغرب تعود اساساً لرسوخ وتجذّر ذكرياتها السيئة عن ديكتاتورية الكرملين.
وحتّى إذا احتلّ بوتين كييف، وتمّ اعتقل زيلينسكي، أو هرب هذا الأخير خارج أوكرانيا، وتشكلت حكومة جديدة موالية لروسيا، فإنّ هذه الحكومة ستكون أكثر عجزًا وأكثر عزلة وكراهية من قبل الأوكرانيين، من حكومة يانوكوفيتش(رجل الدولة الموالي لروسيا الذي أطيح به في حركة يوروميدان في أوائل عام 2014).
إذا كانت روسيا، قبل شنّها هذه الحملة العسكرية وقيامها بهذا القصف غير المسبوق على المدن الأوكرانيّة ، محظوظة بما يكفي للحفاظ على نفوذها التقليدي في أوكرانيا، فعليها الآن أن تعمل على الدفاع عن نفوذها في أوكرانيا بقوة الحراب، وليس من خلال كسب قلوب الأوكرانيين(وهو العامل الأكثر حسماً على المدى الطويل).
ربما لم يعد ذلك ممكناً الآن .. ومع ذلك يمكنُ أن نقول:"لا مشكلة في ذلك" .. سوف تتمّ حماية أوكرانيا بالحراب! . نعم. بوسعنا قول ذلك ، لكنّ ذلك الأمر قد يستغرق عدة سنوات، وهو ممكنٌ على المدى القصير ، لكن الإستمرار به غير ممكن على المدى الطويل.
يبدو أن روسيا قد أخطأت في التعامل مع أوكرانيا، باعتبارها جزءاً من "العائلة".
كان الرجل المخمور، الذي اعتاد على ضرب زوجته وأطفاله، يتظاهر بأنه حسن الطباع لسنوات، ولم يعد يرتدي أحزمةً ثقيلة لكي لا يضربَ بها أسرته. لكن روسيا عادت إلى "مخزنها" القديم، وأخرجت زجاجات الفودكا، وشربت، وثملت، وبدأت في ضرب الزوجة والأطفال. لقد أرسل هذا السلوك أسوأ رسالة إلى جيران روسيا الآخرين (مثل تدخلاتها الأخيرة في بيلاروسيا وكازاخستان).
بوصفي مراقب خارجي يتابع مصير أوكرانيا، أعتقد أنه كان من الأفضل لأوكرانيا أن تكون معتدلة في تأييدها للغرب، وأن تحقق توازنًا إيجابيًا في مواجهتها مع روسيا والغرب، وأن تنأى بنفسها عن الناتو.
لكن إذا قام قسم من الشعب الأوكراني بمقاومة الهيمنة الروسية، وعمل على مواجهتها دون هوادة، فإن خطأ روسيا سيكون أكبر بكثير، وأكثر ضررًا، وغير مبرر.
في غضون ذلك ، دفع الغرب وأوروبا - بكل نفورهم وقسوتهم (وكما يتصرّف عادةً كبار السن الأذكياء) ، الشباب المتنمر إلى ممارسة العنف المُسكِر، بهدف إخضاعه على المدى الطويل.
وبدءاً من اليوم التالي لـ "الانتصار"، لن يكون الوضع في صالح روسيا بوتين، خاصةً وإنّ الغرب قد عمل على تخفيض تكاليف مواجهته مع روسيا قدر الإمكان من خلال عدم الدخول في صراع عسكري مباشر معها.
في جملة واحدة: لم يستطع الغرب قلع سن هذا الدب السيبيري، لكنه أجبر هذا الدب على تذوق اللحم المر، و قام بحشر الشحوم في أسنانه حتى يضطرّهُ إما إلى تقيّؤه بسرعة، أو يجعلهُ مضطرّاً للضغط بأسنانه عليه.
الرجل الحكيم لا يغضبُ من الدبّ، بل يدفعهُ للوقوعِ في الفخ.