- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التجنيد الإلزامي أم التشغيل الإلزامي أيهما أهم؟
بقلم: حسين فرحان
طوابير امام مراكز التجنيد.. و رجل انضباط يعتلي السور لتصدح حنجرته بأسماء المكلفين لاستلام دفتر الخدمة ولربما البطاقة الإلكترونية للخدمة!.. كراج النهضة والعلاوي ببغداد وساحة سعد بالبصرة والحلة وكربلاء ونينوى ولون خاكي ورؤوس حالقة وأمهات تودع الأبناء ولجان تفتيش في مداخل المدن تبحث عن المتخلفين عن الخدمة أو الهاربين.. وإجازات دورية وأخرى مرضية بألف حجة وذريعة.. وكتاب نقل وكتاب التحاق وبدل نقدي وإعفاء لأسباب صحية.. وقصعة وكلاشنكوف وهرولة وعقوبات وأجيال تستخدم مصطلح سيدي لتطلقه على العريف واللواء دون استثناء.. هكذا سيكون المشهد ولا شيء آخر وما هي إلا عودة لمنهج الحكومات الانقلابية التي تعشق عسكرة المجتمع الى حد الجنون، هذا المنهج الذي لم توقفه سوى الآلة العسكرية الأمريكية قبل ثمانية عشر عاما ليعود مكشرا عن أنيابه بقرارات برلمانية وحكومية أقل ما يقال بحق من قررها وأقرها وآمن بها أنه لا يفقه من شأن إدارة البلد شيئا، فهي قرارات -كغيرها- ارتجالية.. انفعالية.. خاوية.. بالية متأثرة بالثرثرة الفيس بوكية التي تُظهر رغبة بعض العجائز بأن العسكرية ستضبط إيقاع هؤلاء الشباب الذين لم ينتفع من طاقاتهم البلد، وهي نظرة تنطوي على تأثر عميق بالعقلية الزيتونية الاستعبادية ولغة القوة والاستهانة بالعسكري الذي كان يطلب منه أن ينزع كرامته عند باب مركز التدريب ليعبث بها عريف مختل أو ضابط لا هم له سوى استعراض نجماته في هذه الساحات الترابية بحجة صناعة الرجال مع أن قناعتنا راسخة بأن الرجولة ليست رهن بالمعسكرات وقد أثبت رجال الفتوى وشبابها أنهم رجال أشداء وإن لم تكن هناك معسكرات، لذلك فأن هذه الفكرة وهذا التنظير لا يمكن أن يمت الى الواقع العراقي -اليوم- بصلة تُذكر، لأن المنظومة العسكرية في الوقت الحاضر ليست بحاجة لهذه الأعداد فمن ينظر لهذه المنظومة سيلاحظ أنها تضم قوات الدفاع والداخلية وجهاز مكافحة الإرهاب وفصائل الحشد وغيرها من التشكيلات وهذا وحده كفيل بإيقاف هذه المهزلة الإدارية التي خطط لها العباقرة !.. ولسنا نعلم إن كان الذين دبروا الأمر بليلة ظلماء قد استنفدوا الحلول لاحتواء هذه الأجيال فلم يبق أمامهم إلا حلول العقليات الانقلابية وأرباب الأنظمة المستبدة التي حكمت العراق بالنار والحديد والتجنيد.. وهل قدم هؤلاء العباقرة الجدد مصانع للانتاج أو حقولا للزراعة أو منشآت ومؤسسات أخرى تستغل هذه الطاقات ففشلت محاولاتهم ولم يبق لهم سوى التجنيد الإلزامي؟
السؤال المهم.. ألم تدعي الحكومة الحالية وحكومات المحاصصة التي سبقتها أن الميزانية التشغيلية تستهلك نسبة كبيرة من أموال البلد سنويا وتتسبب بعجز كبير؟ فكيف بها وقد أضيف إليها عشرات الآلاف ممن سيخصص لهم رواتب قيل أنها تتراوح بين (500- 750) الف دينار؟
ألا يُعد هذا إنهاكا للميزانية العامة وتجاوزا على سياسة الترقيع التي اعتدنا عليها.
مشكلتنا أننا لغاية الساعة لم نر رجال دولة بالمعنى الحقيقي الذي ينتفع بالتجارب الرائدة التي تبنتها دول كاليابان وألمانيا وغيرها من الدول التي تخلت عن النزعة العسكرية واتجهت إلى خطط بديلة ومنهج علمي رصين للنهوض بواقعها الذي حطمته الحروب وعسكرة المجتمعات.
فما الذي يريده أصحاب فكرة التجنيد الإلزامي من هؤلاء الشباب؟ هل يريدون منهم خوض مشروع حرب جديدة ومع من ستكون؟ هل يريد هؤلاء أن يحيوا المعسكرات ويميتوا الحياة كما فعلت الأنظمة السابقة؟ ولو أن برلمانا أو حكومة أقدما على مشروع يتكفل بصناعة أجيال منتجة لما كان لأي عاقل حق الاعتراض على ذلك، فالإنتاج والتثقيف عليه والانهماك في العمل واكتساب الخبرات هو ما يُعول عليه في بناء الإنسان وبناء الأوطان ولا خير في نظرية بائسة تُلزم الإنسان أن يقضي حياته في روتين سخيف لا جدوى منه.. ومن الغباء تقديم النظريات الفاشلة وعقلية الحكومات والانظمة السابقة على نظريات الدول المتقدمة التي دأبت على أن يكون الجانب العسكري مقيدا بحدود معقولة تتناسب وحاجاتها الفعلية له، ولكن لا يسعنا إلا أن نحتسب ونسترجع ونشكو إلى الله تعالى ما أصابنا من انتكاسة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- الإجازات القرآنية ثقافة أم إلزام؟