- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
إزالة التجاوزات بين الواقع والتطبيق
بقلم: حسين فرحان
يدور الحديث اليوم حول إجراءات حكومية ظاهرها الشدة والجدية والعزم في تطبيق القانون وفرض هيبة الدولة في مفصل واحد من مفاصل الحياة وهو أن البعض قد بلغ به تفسير الحرية الشخصية حد التجاوز على المال العام فاستعمر الأرض دون حق وتاجر بها وقطع السبيل وشوه المنظر العام للتخطيط العمراني للمدن وقضى على ما تبقى من مساحات يفترض بها اليوم أن تكون خضراء مزهرة أو مثمرة او تتوسطها منشآت حديثة تدر بنفعها على عموم الشعب.
سقط النظام في العام ٢٠٠٣ بعد ثلاثة عقود من كبت الحريات وفرض أنظمة صارمة كانت تشكل خليطا من قوانين اعتمدتها سائر الدول وقوانين فرضها مزاج الحكم الديكتاتوري فلما زال هذا الحكم استشعرت فئات من الشعب ورأت في تعويض ما فاتها في تلك العقود ضرورة لابد من السعي لتحقيقها واستحصال ما خسرته من امتيازات كان سببها الانقياد التام لتلك الأنظمة والقوانين وتلك النار وذلك الحديد.
كانت انتفاضة باسم التحرر فتحولت الى فوضى باسم التحرر أعان على ديمومتها وانتشارها صمت حكومي استمر لثمانية عشر عاما لم يكن فيها قانون رادع وإن وجد فهو كغيره رهن الأضابير ليغيب عن التنفيذ مع غياب المنفذين وغياب إرادة المسؤول عن التنفيذ، فثمن التنفيذ سيكون باهضا وسيكلف الكثير من الجهات صاحبة النفوذ خسائر فادحة وانقطاع لروافد مهمة من روافد التمويل الخفية التي تدر بأرباحها عليها تلك التجاوزات، فكيف بمسؤول أن يقطع سيل الأرباح بيده عن جهته التي أتت به؟ وكيف بمسؤول أن ينبش الأضابير ليُفعِّل قانونا فيها يكلفه الكثير؟
لم تخل السنوات الماضية من حملة هنا وأخرى هناك لإزالة التجاوزات على الأملاك العامة لكنها لا تعدو كونها حملات خجولة تستبطن بداخلها الظهور الإعلامي أو لرفد الجهات العليا بتقارير مصورة للإنجازات يقلبها المسؤول في مكتبه فيؤمن باللقطات إيمان عميقا فيخيل إليه من سحرهم أن المدن قد خلت من العشوائيات والانتهاكات وأن كل شي على مايرام والحقيقة خلاف ذلك، والواقع ينبىء أن صور المنجزات هي صور مكررة التقطت من عدة زوايا لنفس الحدث برع المصور فيها بإيهام المسؤول بأن المهمة قد أُنجزت لتنال اللجنة مكافأتها.. وهذا واقع أغلب المنجزات التي يدافع عنها المسؤول عبر اللقاءات التلفزيونية فيرعد ويزبد لأن مصدر معلوماته هو ما تقدمه اللجان له من لقطات مصورة للعمل، ولوكان مصدر معلوماته اطلاعه الميداني لم يكن ليجرؤ على ان يمارس حضور (كاريزمته) على الشاشات والخوض في ذكر المنجزات ولا منجزات لديه سوى اللقطات.
استشهد المهندس عبير في واحدة من أكثر المهام جدية، وربما لم تشهد المدن العراقية خلال السنوات الماضية حضورا ميدانيا لإزالة التجاوزات مثلما شهدها ذلك اليوم وما سبقته من أيام للمهندس المغدور عبير، حتى كأن الرجل خرج ليقدم رسالة واضحة لبقية المسؤولين عن مثل هذه الملفات مفادها: (ليكن لكم حضور، لا تعولوا كثيرا على المنفذين) فاصطدم الرجل الميداني الشهيد بواقع فاسد دفع حياته ثمنا له في سبيل مواجهته.. لم يكن عبير في مواجهة قاتل يحمل السلاح فحسب بل كان في مواجهة نموذج حي لتراكمات الفساد والفوضى وغياب القانون طيلة عقود من الزمن.. كان بمواجهة إرث مسلح وعقلية تؤمن بالقوة وترفض أن يكون القانون هو الحاكم.. كان يقف أمام شخص يمثل فئة من الناس لاهم لها سوى أن يبقى البلد بما فيه في حالة خراب دائم فلا مصلحة لهؤلاء أن تجري الرياح بما تشتهي سفينة الوطن لأنها ستبعدهم كثيرا عن مغانم ومكاسب لا تتحقق لهم إلا في بيئة مهدمة.
فهل وضعت الحكومة في حساباتها هذه الفئة المخربة المنتفعة من الخراب؟ وهل حصل لديها كحكومة ذلك التمييز والتفريق بين حالات إنسانية وحالات تخريبية؟ فالذي يمتلك منزلا أو محلا رسميا ويتجاوز على الرصيف يختلف عن الفقير الذي لا يمتلك شيئا فاضطر لأن يكون له مكان مسقف يكتسب منه الرزق لعياله أو أن يكون له منزل في أراض مصنفة إلى الفئة الزراعية مع انفجار سكاني غابت عنه يد التخطيط الحكومي -وهي قضية كانت وما تزال محل نظر وتأمل- حيث خصصت لها مواد في القانون تتيح تمليك هذه الأراضي بشروط معينة.. أما من بنى منزلا على أرض حكومية فهذا لا يعني أن يرمى مع عياله للشارع دون إيجاد بدائل مناسبة ومنحه الوقت المناسب لذلك.
فهل سيكون للجهات التشريعية كلمتها الفصل في هذا المفصل المهم؟ وهل سيكون للجهات التنفيذية مواقف تتجاوز بها حالات المحسوبية أو الاستثناء أو غيرها من الأوبئة التي حلت بها دون أن تظلم أحدا بل وتضع في حساباتها أن الفقراء الذين ترغب في تهديم بيوتهم ودكاكينهم وبسطاتهم قدموا للعراق من دماء الشهداء الشيء الكثير.