- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أبناؤنا بينَ الواقعِ والمواقع
بقلم: حسين فرحان
ما الطُرقُ العمليةُ والمنهجيةُ لتحصينِ أولادِنا من الانجرافِ في التياراتِ العلمانية واللا أخلاقية في خِضَمِّ التطوّراتِ السريعةِ وهجمةِ الإنترنت الشرسةِ على بيوتِنا؟.
عالمانِ هما لا ثالثَ لهما بنظرِ من اهتمَّ بشأنِ هذه الأجيالِ التي ولدتْ فوجدتْ أنّ الشبكةَ العنكبوتيةَ جُزءٌ لا يتجزّأُ من حياتِها، أو الأجيال التي لم تعهدْ هذه الشبكةَ فيما مضى من حياتِها لكنّها اضطرّت لأن تُكمِلَ المشوارَ معها بشيءٍ من المُمانعة -ربما- في بادئ الأمرِ عندَ من يمتلكُ حظًّا من التدقيقِ والتمحيص، أو بقبولٍ كُلّي للأمرِ عندَ من اعتادوا تقبُّلَ المُستجدّاتِ كيفما وجدتْ وأينما حلّتْ كما هو حالُ الشعوبِ الغربيةِ التي اعتادتْ على أجواءِ القفزاتِ العلميةِ بخلافِ شعوبِنا البعيدةِ عن تلك الأجواءِ، فهي وبحُكمِ كونِها تستوردُ هذه التقنياتِ وبأوقاتٍ مُتأخرةٍ فإنّها تخضعُ كُلَّ جديدٍ لمفاهيمِها وعاداتِها وتقاليدِها ابتداءً.. وهذا أمرٌ حَسَنٌ، رغمَ أنّ النتيجةَ بكُلِّ الأحوالِ ستكونُ القبولَ بهذه القفزاتِ والمُتغيّراتِ وإنْ كانَ بنحوٍ تدريجي.
وهذا الأمرُ يكادُ أنْ ينطبقَ على كُلِّ المُنتجاتِ والصناعاتِ التي غيّرتْ حياةَ البشر، لكنّ الأمرَ مُختلفٌ تمامًا مع (الشبكة العنكبوتية)، التي ربما كُتِبَ لها أنْ تخضعَ لشيءٍ من التردُّدِ في قبولِها مع بداياتِ تغلغُلِها في حياةِ شعوبِنا، لكنّها فيما بعد صارتْ تتحوّرُ وتتطوّرُ دونَ أنْ تمنحَ لأحدٍ الفُرصةَ في مُراجعةِ ما تنشرُه وتروِّجُ له مع استغراقِ الجميعِ في هذه البرامج المُتنوِّعةِ الكثيرةِ المُتعدِّدةِ الاستخدامات أصبحَ الأمرُ مُعقّدًا؛ لأنّ هذه الشبكةَ استدرجتِ الجميعَ إليها بشكلٍ تدريجي، فلمّا حطّتْ رحالُها انفجرتْ كقُنبلةٍ كبيرةٍ تشظّتْ وتطايرتْ فأصابت.
قد يوحي هذا الوصفُ بكارثيةِ الإنترنت وأنّه من أبشعِ الاختراعات، وقد يُفهَمُ منه أنّ هذا الكائنَ سيّئٌ للغايةِ ولا شيءَ فيه غير السوء.
ليس الأمرُ كذلك، فالمُحتوى الذي تُقدِّمُه المواقعُ لا يخلو من مادةٍ نافعةٍ ولا يخلو كذلك من ضررٍ بالغ، وقد قيلَ في شأنِه إنّه سلاحٌ ذو حدّين، إلا أنَّ تمييزَ هذين الحدّين وجعلهما في خانتي الرفضِ أو القبولِ تبقى رهنَ عاداتٍ وتقاليد وطباع وانتماءات واعتقاداتِ الناسِ هُنا في بُلدانِنا أو هُناك في بُلدانٍ أخرى التي تختلفُ غالبًا في كثيرٍ من التفاصيل؛ فما نراه قبيحًا قد يراه الآخرُ حسنًا لا عيبَ فيه، وما نراهُ نافعًا قد يراهُ الآخرُ ضارًّا.
ما يُهمُّنُا هو أنْ نُميّزَ المُحتوى ونتفقَ على ضررِه أو نفعِه، وأنْ نُدرِكَ حقيقةَ أنّ منظومتَنا الأخلاقيةَ وهويتَنا قد تنهارُ في أيّةِ لحظة..
قد نختلفُ في قبولِ بعضِ المُحتوياتِ لكنّنا بكُلِّ تأكيدٍ سنتفقُ على رفضِ كُلِّ ما من شأنه العبثُ بمصيرِ أولادنا.. فالعلمانيةُ والإلحادُ يُروَّجُ لهما اليومَ بطريقةٍ ناعمةٍ مُنمّقةٍ قد تنسِفُ ما اجتهدَنا وآباؤنا على الحفاظ عليه.. والإباحيّةُ والتعرّي يُروَّجُ لهما بطريقةٍ لا تقلُّ نعومةً عن سابقتِها؛ فالظهورُ المُفاجئُ لهذه الصورِ لا ينفكُّ عن الإعلاناتِ والمقاطعِ التي تظهرُ دونَ استئذانٍ كاقتراحاتٍ لمُنتجاتٍ مُعيّنةٍ فضلًا عن وجودِ مواقعَ مُخصّصةٍ لها، وهي مُتيسرةٌ لدخولِ أيّ شخص.
إنّه الاستدراجُ بتعويدِ العينِ والأُذُنِ على المُشاهدةِ والسماعِ حتى يكونَ الأمرُ برمّتِه من المُسلّماتِ، بل ومن الضروراتِ خصوصًا مع تناغُمِها والغرائز وتزاحُمِها والمُعتقدات.
إنّها حربُ استنزافٍ لا مفرَّ منها إلا مع تظافُرِ جهودٍ كبيرةٍ قد تنتفعُ منها هذه الشعوبُ التي أُخِذَتْ أسيرةً لخوادمِ الشبكةِ عبرَ برامجَ تُداعِبُها ملايينُ الأناملِ كُلّ يوم.
عندَما ننظرُ إلى الجانبِ المُظلمِ من هذه القضيّة، فينبغي أنْ نتساءلَ:
ما الطُرُقُ العمليةُ والمنهجيةُ لتحصينِ أولادِنا من الانجرافِ في التياراتِ العلمانيةِ واللا أخلاقية في خضَمِّ التطوّراتِ السريعةِ وهجمةِ الإنترنت الشَرِسةِ على بيوتنا؟
نحن نبحثُ عن طُرُقٍ علميةٍ وأُخرى منهجيةٍ؛ لتحصينِ أولادِنا من خطرٍ يُهدِّدُهم، نحنُ -وبحسبِ السؤال- نعدُّ أنّ الإنترنتَ يشنُّ هجمةً شرسةً على بيوتِنا.. نحنُ نبحثُ عن حَلٍّ يدفعُ هذا الكابوسَ وهذا الخطرَ..
فهل يُمكِنُنا حقًّا أنْ نجدَ مثلَ هذا الحلّ؟
هل بإمكانِنا أنْ نصنعَ مُعادلةً تنأى بهذا الواقعِ عن خطرِ المواقعِ بلحاظِ استحالةِ فصلِها كُلّيًا عنه؟
ربما نحتاجُ لإمكاناتٍ علميةٍ وأُخرى عمليةٍ ومنهجيةٍ يكونُ الدافعُ لتحقيقِها الحاجةَ الماسةَ للحفاظِ على المنظومةِ الأخلاقيةِ من الانهيار..
فما فُرصُ تحقُّقِ هذا الأمر؟ وما المُتاحُ منها أو القابلُ للتطبيقِ بعدَ اتخاذِ قرارٍ جادٍّ ومسؤولٍ من قِبَلِ المُهتمّين وعدمِ الاكتفاءِ بالنُصحِ والإرشادِ والاتكالِ على الآثارِ المعنويةِ لهما دونَ التغافُلِ عن أهميتِهما معًا..؟
لتتمَّ مُعالجةُ الأمرِ بشكلٍ واقعي بعيدًا عن التنظيرِ فالمواقعُ تعبثُ بالواقعِ وعالمها الافتراضي يُنذِرُ بكارثة.. لنستعرضْ مجموعةً من الحلولِ التي نهدفُ منها انتقاءَ الحبِّ الجيّدِ من الرديء ولو بنِسَبٍ مُعيّنةٍ، مع الأخذِ بنظرِ الاعتبارِ أنّ قضيّةَ قطعِ الشبكةِ بشكلٍ نهائي عن المنزلِ لم يعُدْ أمرًا منطقيًا مع ارتباطِ حياتِنا بالمواقعِ بشكلٍ تامٍّ في جوانبَ عِدّيدةٍ منها التعليمي والاقتصادي والاجتماعي وغيرها، ممّا اقتضتِ الضرورةُ ومُتطلّباتُ الحياةِ المُعاصرة؛ لذلك سيكونُ الحديثُ عن حلولٍ أُخرى يُمكِنُ إيجازُها بما يلي:
١- تفعيلُ برامجِ الرقابةِ الأبويةِ التي تتطلّبُ أذوناتِ أحدِ الأبوين لغرضِ تنزيلِ التطبيقات، وتمنحُ لهما إمكانيةَ استعراضِ ومشاهدةِ المُحتوى الذي تصفّحَه الأولادُ في فتراتٍ سابقةٍ وإشعارِهم بأنّهم يخضعون لرقابةٍ مُشدّدة.
٢- حجبُ المواقعِ الضارّةِ باستخدامِ برامجَ مُعيّنةٍ أو التحكُّم بذلك عن طريقِ الموجِّهِ المنزلي (الراوتر).. قد يتطلّبُ هذا الأمرُ الاستعانةَ بمُختصٍّ في هذا المجال..
٣- الرقابةُ المُباشرةُ بالاتفاقِ مع الأولادِ على زياراتٍ مُتكرّرةٍ من قِبَلِ الأبوين لتصفُّحِ محتوياتِ هواتفِهم.
٤- التحذيرُ المُستمِرُّ من مغبّةِ سوءِ استخدامِ بعضِ التطبيقاتِ والاستعانةُ بأمثلةٍ وشواهدَ لذلك..
٥- التلويحُ بعقوباتٍ صارمةٍ فيما لو تمَّ تجاوزُ الأبناءِ لهذه الضوابط..
قد يكونُ الأمرُ صعبًا بعض الشيء، وقد يتذمّرُ البعضُ من أنْ يُكلِّفَ نفسَه مشقةَ هذه الرقابة، وقد يُعلِّلُ ذلك بثقتِه المُفرطةِ بأخلاقِ أولاده، وقد يُصِرُّ على أنّ أُسسَ جسورِ الثقةِ ما تزالُ قويةً وراسخةً.. لكن هذا لا يعني اتخاذَ ولو جُزءٍ من هذه التدابيرِ الاحترازية، فالأمرُ يستحقُّ شيئًا من العناءِ أمامَ هجمةٍ قد تحرقُ الأخضرَ واليابسَ معًا.
أقرأ ايضاً
- بين الواقع والمواقع
- بينَ قانون الدعم الطاريء للأمن الغذائي وقانون الموازنة العامّة للدولة
- دوار الترشيح بينَ الجدِّ واللَّعبِ..