- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الحرب الناعمة... الفعل ورد الفعل !!!
بقلم: د. صفاء الوائلي
ان خطورة الحرب الناعمة تأتي من خطورة تعدد وشمولية الوسائل المستخدمة وتوظيف لصور القوه الذكية المتعددة والمزدوجة بطريقه ناعمه وصلبه ... ان استهداف كل ما له علاقه بوعي وتصور وفكر الانسان سيقود الى تحقيق نتائج تعجز الحرب الصلبة عن تحقيقها لان الحرب الصلبة تدمر بنايه او منشاءه او بنى تحتيه قابله لإعادة البناء والتأهيل بفترات قصيره سرعان ما تجعل الجمهور ينسى بسهوله تأثيراتها المدمرة بل وتجعله يشعر بروعه اعاده البناء والتأهيل بطرق جديده اجمل واكبر ... وعليه ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بوصفها اكبر حرب تقليديه بدا العقل البشري بابتكار طرق جديده للحرب يجب ان تتجاوز المدى التكتيكي القصير الامد لتمتد الى مدى استراتيجي ابعد ويجب ان تكون قوتها التدميرية واسعه وتوفر انتصارات وانجازات من نوع اخر تستهدف وعي الانسان وتصوراته وتغيير مفاهيمه وثقافاته بشكل تدريجي وبوسائل يتقبلها العقل البشري في المجتمع المستهدف.
منذ تسعينيات القرن المنصرم بدأ التدفق الفكري الجديد لمفاهيم الحروب الغير تقليديه يبلغ اوجه حيث انتهت الحرب الباردة وحرب الخليج وآن الاوان لإعلان الحروب الذكية حيث بداء مفهوم الحرب الصلبة بالضمور وبداء مفهوم الحرب الناعمة بالظهور ... لقد وجدت القوى الكبرى ان لا نصر يمكن ان يكون مستديم النتائج افضل من النصر الناعم او النصر الفكري الذي يشتمل على اجتذاب واستماله العقل المضاد والفكر المضاد وتليينه بمختلف وسائل التكنلوجيا والاتصالات والاعلام وتحويله الى فكر مساند او على الاقل فكر محايد وفق مبدأ (اذا لم تكن صديقي فلا تكن عدوي) وبداء الهجوم الشامل بمعارك من نوع اخر وسلاح من نوع اخر استهدف الوعي الانساني بوسائل ومفاهيم جذب لا اجبار فيها سوى اعادة توجيه العقل وفق ما يرغب نحو تقبل واستقبال المفاهيم التي كانت غير مرغوبه وغير محبذه ... واستهدفت الحرب الناعمة المجتمعات بمختلف شرائحها باستخدام واستحداث وسائل الجذب الفكري وعمليات اعاده التوجيه وغسل الأدمغة بطرق مبتكره خلقت ذهنيه تتقبل التصورات الجديدة حيث لا مناص من تقبل حاجات وضرورات الحياة الجديدة من تكنلوجيا ووسائل اتصالات واعلام ... لكن تلك الحرب الناعمة الهوجاء بكل وسائلها قد كان لها اثرا ايجابيا بظهور وعي من نوع اخر انه الوعي المضاد للحرب الناعمة كرد فعل حيث ظهر جيل جديد واعي لما يحصل.
ان ما راهن عليه عرّابي الحرب الناعمة من نتائج استراتيجية الاتجاه قد خلقت حالة من الوعي المضاد والتصورات المضاد وبدأت عمليه توظيف وسائل الحرب الناعمة بشكل معاكس .. نرى ان الوقت الراهن هو مرحله مهمه جدا في التركيز على موضوع القوه الناعمة وتبني مناهج توعيه واسعه وتحشيد الطاقات من اجل البدء بعمليه تحصين فكري كفوء لدرء خطر الرضوخ والوقوع تحت تأثير وسائل الحرب الناعمة من خلال:
١- تبني حمله اعلاميه واسعه للتثقيف بمخاطر التعامل مع وسائل القوه الناعمة.
٢- تبني وسائل حرب ناعمه مضادة بشكل اكبر مما هو عليه الان.
٣-انشاء ترسانات فكريه ومراكز متخصصه في هذا الشأن.
٤- توظيف التكنلوجيا والاتصالات والاعلام بشكل مضاد.
٥- فك الارتباط ومحاوله تأميم قطاعات التكنلوجيا والاتصالات والاعلام وتبني مشاريع تكنلوجيا واتصالات واعلام وطنيه.
لقد ادرك الاعداء مقدار تمكنهم من وسائل الحرب الذكية فهم يخلقون خليطا غير متكافئ من وضع ذكي يستعملون فيه قوه صلبه من جهة من اجل فسح المجال امام قوتهم الناعمة للولوج الى المديات التي لا تصل لها قوتهم الصلبة .. وهذا ما جعل القوى الكبرى تقوم بخلق الاعداء الافتراضيين الذين تسخرهم من اجل استنزاف موارد الدول المستهدفة كما فعلت حينما خلقت بشكل متعمد تنظيمات مسلحه متطرفة كالقاعدة وداعش ودفعتهم نحو ميادين منتقاة بشكل مسبق وفي نفس الوقت خلقت الجانب الاخر وبشكل متوازي قوى ناعمه تسير بمحاذاة القوه الصلبة متجهة نحو الهدف المرسوم في تحقيق الانجاز التكتيكي والستراتيجي مسخرة الموارد البشرية والمادية كافه في سبيل تحقيق اهدافها في السيطرة على العالم وارضاخ الدول وتركيعها بالقوة البديلة تارة ، وبالجذب تارة اخرى.
لقد جعلت القوى الكبرى جميع البلدان بحاجه لها لأنها من يسيطر على الموارد المادية والبشرية في مجال التكنلوجيا والاتصالات والمعلومات والاعلام.
ان عمليه الاستقطاب واعاده التوجيه الفكري للطاقة البشرية باستعمال الموارد المادية كافه هو اسلوب الحرب الناعمة المدمرة التي وصلت اوجها في الوقت الراهن...ورغم وجود من يتبنى الحرب الناعمة المضادة الا انها لا ترتقي الى مستوى الكفاءة في مواجهة الاعداء بشكل يحد من قوه الهجوم الناعم الذي نتعرض له ... ان تعدد وامتداد جبهات الحرب الناعمة يجعل منها حربا صعبه للغاية ... ورغم غياب الوسائل وضعف الموارد الا ان للتحصين الفكري وتبني عمليه بناء وعي مضاد وفكر وتصورات ناضجه ومدركه لأساسيات ووسائل الحرب الذكية بوسائلها الصلبة والناعمة سيعرقل تقدم العدو نحو اهدافه وسيجعل المهمة صعبه وبالتالي سنحقق مكاسب ستعطينا وقتاً للمناورة بل وشن هجوم ذكي مضاد صلب وناعم سيربك حسابات الاعداء لان في مفاهيم وابجديات الحروب صلبه كانت ام ناعمه، تقليديه كانت ام غير تقليديه لا وجود لنصر مطلق ما دامت المعركة مستمرة.