بقلم حسن كاظم الفتال
قال رسول الله صلى الله عليه وآله «إِنَّ لِلْجَنَّةِ بَاباً يُدعَى الرَّيَّانْ، لاَ يَدْخُلُ فِيهَا إِلاَّ الصَّائُمُونَ». وقال صلى الله عليه وآله: ان أفضل الاشياء ما اذا كان فاتك لم يكن لك منه التوبة دون أن ترجع اليه فتؤديه بعينه ، ان الصلوة والزكوة والحج والولاية ليس ينفع شئ مكانها دون أدائها ،وان الصوم اذا فاتك او أفطرت او سافرت فيه اديت مكانه اياما غيرها ، وفديت ذلك الذنب بفدية ولا قضاء عليك ، وليس مثل تلك الاربعة شئ يجزيك مكانها غيرها
مشروعية الصراع بين الإنسان والغريزة
وأصبح من الأمر البديهي والمعروف لدى الجميع أن الصوم يترك الأثر البالغ على الفرد الصائم وهو فهم واستيعاب الدرس الأكبر للحصول على مرتبة راقية من مراتب الطاعة إنما هنالك أثر مادي ملموس آخر وهو الجوع والعطش ورغم أننا وسوانا قد تحدثنا عن هذا الأثر كثيرا إنما لا بأس بالتذكير به وبيان بعض فوائده أو مردوداته أو إنعكاساته . فحين يمس الجوع الإنسان يهرع مسرعا لتناول الطعام والغذاء على مختلف أنواعه وهذه الأنواع هي من أفضل نعم الله . ولعل معظمنا لا طاقة أولا صبر له على تحمل الجوع , إنما شهر رمضان هو الظرف أو الوقت الوحيد الذي يصر الإنسان فيه تطوعا على تعمد تحمل الجوع والعطش كذلك . والبقاء على الجوع يعني الإمتناع عن أعظم النعم التي يتنعم بها في الإنسان في حياته وهي عملية ليست بسهلة ويسيرة وحين نتحدث عن هذا الشهر المبارك ومس الجوع لا نقصد الجوع بمضمونه التقليدي السطحي والهامشي وبعض تأثيراته الجانبية بل تأثيراته الإنسانية وبفاعلية نتيجته الروحية قبل الجسدية . وللجوع مردودات كثيرة ومنها تُستخلص دروسٌ وعبر كبيرة .والنبي صلى الله عليه وآله في خطبته التي استقبل بها شهر رمضان المبارك بيَّن الأثر الأول من هذا الدرس الذي هو الجوع بقوله (اذكروا بجوعكم وعطشكم جوع يوم القيامة وعطشه ) من هنا يتبين لنا كيفية القيام بتهذيب النفس وترويضها في اكتساب درس مقاومة الشهوات أو الحاجة إلى اللذائذ . فلو لم تتميز خصوصيات هذا الشهر إلا بالجوع لكفانا هذا الجانب في اكتساب العبرة واستلهام الدروس. فقد قيل قديما إن الجوع ينقي القلب وينقذ البصيرة من النفاد وينشط القريحة إذ أن الشبع يورث البلادة ويغم القلب ويكثر البخار في الدماغ فيتغلب على معادن الفكر ويقلل الإدراك ، وهذا ما يحصل لدى الجميع ويمكن أن يجرب من لم يجرب من قبل ويرى كم يوقف الشبع جريان الأفكار. كما أن الجوع يجعل العبد يزداد انكسارا فيتذلل لربه ويخشع له. وعندما عرض جبرائيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله مفاتيح كنوز الأرض رفضها قائلاً: لا حاجة لي بها دعني أجع يوما فأسأل ربي وأشبع يوما فأشكر ربي . إذن يجوع ليسأل ربه سؤال خاضع متذلل. وقيل إن الفرج والبطن باب من أبواب النار. فالجوع الذي يقوي العزيمة على مقاومة الشهوات لابد له أن يغلق أبواب النار. وكذلك منه القناعة ويقول صلى الله عليه وآله: القناعة مالٌ لا ينفد. أيها الصائمون الكرام إن الجوع يمكن أن يحفز على تنظيم الإقتصاد ومنه قوة وشائج أواصر الروابط الإنسانية . فالجائع لاينسى الجائعين مثلما ينساهم الشبعان الذي لم يجرب الجوع. إذن التمرين الروحي يُمَكِن المرء من امتلاك قدرة يشكم بها شهواته ويحجبه عن إيتاء المعاصي التي كثيرا ما تنشئها الحاجة إلى الطعام.فضلا عن تذكره الجائعين المحتاجين للطعام فلنحاول أن ننتمي إلى المدرسة الرمضانية العظيمة ولنتخذ من هذا الشهر الكريم وسيلة أو فرصة نروض فيها أنفسنا على اجتناب المعاصي ونتعلم درس صوم الجوارح ولا تصبح غايتنا بعد الصوم ملأ البطون وأن نجعل الدنيا تكون آخر همنا بل لنقاوم شهواتنا الدنيوية ونساعد على إشباع الجياع الذين حرمهم البعض عند امتلاك حقوق الآخرين .