صيانة ُالأسانيد الوثائقية والمخطوطات التاريخية في العتبة الحسينية المقدسة بالطرق العلمية(تقرير مصور)
الكتابُ الجليسُ الأوحدُ الذي يرفدُ الإنسانَ بالعلوم ِ ويبصرُّه حقائقَ الأمور ليرى الحقَّ حقاً فيتبعَه والباطل باطلا فيجتنبه، وكم باحث ينتشي جذلا حيثما يحصل على ضالته بين الكتب ليضع لمسات مضيئة تنير درب الإنسانية المليء بالمطبات والمظالم، وللوصول إلى مرفأ المحبة والسلام، والنجاة من زيغ الزمان وإغوائه كان من ضمن نشاطات الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة هو الاهتمام بالكتب والمخطوطات القديمة التي تعود إلى مئات السنين، ونتيجة لقدم هذه المخطوطات والكتب القيمة التي مرت عليها عوامل أدت إلى إتلاف قسم منها، سعت العتبة المقدسة وبتوجيه من أمينها العام سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي لفتح شعبة تختص بترميم وصيانة المخطوطات القديمة والحفاظ عليها أطلق عليها (شعبة المخطوطات) التابعة إلى قسم الشؤون الثقافية والفكرية في العتبة المقدسة.
[img]pictures/2011/04_11/more1301824380_1.jpg[/img][br]
[img]pictures/2011/04_11/more1301824380_2.jpg[/img][br]
ولمعرفة تفاصيل عمل هذه الشعبة التقى موقع نون بكادرها الذي يتكون من (10) منتسبين في مختلف الاختصاصات مقسمين على والوحدات كل حسب اختصاصه.
فكانت وقفتنا الأولى مع مسؤول الشعبة (مناف لطيف حميد) الذي قال لموقع نون \" تمتلك العتبة الحسينية العديد من المخطوطات القيمة التي لا تقدر بثمن كانت موضوعة في المخازن والمكتبة وخزنت في وضع مهمل حيث لم يهتم النظام السابق بهكذا مجالات واتلف الكثير منها والبعض منها سُرق إبان الانتفاضة الشعبانية عام (1991) وما تبقى منها هو الجزء اليسير وبعد عام (2003) كانت بدايتنا هي تنظيف المخطوطات والكتب من الأتربة والأوساخ وتهيئة رفوف جديدة مقسمة حسب تصنيفها. وأضاف: بدعم مباشر واهتمام من الأمين العام سماحة (الشيخ عبد المهدي الكربلائي) تم تأهيل كادر مختص وإشراكه بأكثر من دورة داخل وخارج البلد للاطلاع على مراكز عالمية للمخطوطات وجهزت الدار بأجهزة حديثة ومن مناشئ عالمية مشهورة. وتابع حميد\" يمر الكتاب بعدة مراحل أولها تنظيفه من الغبار والأتربة وتأخذ هذه العملية وقتا طويلا نسبيا لان العملية يجب أن تتم بشكل دقيق وبفرش خاصة لا تؤثر على الورق ولا على الحبر الموجود وبعدها تنتقل إلى المختبر حيث يتم التشخيص والمعالجة كيميائيا، ومن ثم مرحلة الترميم، يفتح المخطوط وينظف وتغسل أوراقه ثم يتم إكمال النواقص الموجودة فيه، ثم تعاد خياطة المخطوطة بنفس الطريقة التي خيطت في عصرها أو سنة خطها وتحفظ بعدها المخطوطة في مكان خاص يسمى بالـ(الحصينة) وهي مكان خاص مجهز بإنارة معينة ودرجة حرارة ورطوبة معينة وهي مؤمنة من ناحية الجدران والباب بحيث تكون أمينة، لان هذه المخطوطات عبارة عن كنوز تصل قيمتها إلى ملايين أو مليارات الدنانير فيجب أن تحفظ في مكان مناسب لها.
تتكون (شعبة المخطوطات) من خمس وحدات: وحدة المختبر، وحدة ترميم المخطوطات، وحدة التصوير والتصميم، وحدة التصحيف (تجليد الكتب المطبوعة)، ووحدة الأرشيف.
[img]pictures/2011/04_11/more1301824482_1.jpg[/img][br]
وحدة المختبر:
(وائل جميل مكي) بكالوريوس علوم كيمياء، يدير هذا المختبر (كيميائي وبايلوجي) قال لموقع نون \" حيث تدخل المخطوطة إلى المختبر وتمر بعدة مراحل أولها مرحلة التشخيص التي يقوم بها البايلوجي حيث يقوم بتشخيص الآفات والفطريات والبكتريا التي تعيش على هذه المخطوطات.
وأضاف: إن (مختبرنا المختبر الوحيد في العتبات المقدسة الذي يقوم بتشخيص ومعالجة المخطوطات) ونعمل على معالجة المخطوطات من الأمراض الموجودة فيها فبعد مرحلة التشخيص يكون واجبا علينا إيجاد المعالجة حيث تعالج بأكثر من 4 مواد كيمياوية تمتلك كل مادة خصوصية معينة وتستعمل لنوع معين من الآفات وتكون هذه المواد المستعملة موادا خطيرة وسامة ومسرطنة، ولكن من خلال اختصاصنا والدورات التي شاركنا بها نتعامل معها بكل مهنية.
وتابع مكي: أما بخصوص الأجهزة الموجودة في المختبر ارتأت العتبة المقدسة أن تقتني أجهزة ذات مناشئ عالمية وأصلية حيث نمتلك حاليا جهازا لتعفير المخطوطات وهو اكبر جهاز من نوعه موجود في العراق (منشؤه انكليزي)، وأيضا مجاهر ألمانية وجهازا لزرع البكتريا وجهازا لقياس الحموضة من شركة (روشر الايطالية) لان بعض الورق يصاب بالتآكل أو التيبس أو الاصفرار وهذا نتيجة العمليات الأيضية للبكتريا والفطريات والحموضة والرطوبة الموجودة بالجو، فبعد قياس الحموضة يقاس الحبر وعلى ضوء تشخيص الحبر نستطيع المعالجة كي لا تتأثر الأحبار ببعض المبيدات والكحولات المضافة.
بعد المعالجة تعود المخطوطة مرة أخرى إلى مرحلة التشخيص للتأكد من القضاء على جميع الأمراض، فإذا لم نقضِ عليها تتم معالجتها بطريقة أخرى وبعد ذلك تحول المخطوطة إلى وحدة الترميم.
[img]pictures/2011/04_11/more1301824482_2.jpg[/img][br]
وحدة الترميم:
(عباس الموسوي) مرمم المخطوطات قال لموقع نون \" ظهرت هذه الحرفة قبل 300 عام وتطورت إلى أن أصبحت حاليا علما فيه ضوابط وطرق واسعة وعديدة حيث يمتلك العالم العديد من المراكز وكل مركز يرمم بطريقة خاصة\"
وأضاف: دخلنا عدة دورات خارج العراق وتعرفنا على الكثير من طرق الترميم فالبعض يستخدم الشريط اللاصق الشفاف وآخر يستخدم ورق (تيشو) وهو خفيف جدا يلصق بمادة خاصة، أما احدث طريقة مستخدمة حاليا هي طريقة (جيكية المنشأ) عجينة ورق تحلل في مواد خاصة وبعدها نكمل بها الورق، وأحيانا نستخدم الفرشاة أو الشفرة أو عصارات معينة كي نعالج بها المخطوطة. وتابع الموسوي: إذا كان الكتاب المتضرر والمحتاج إلى ترميم هو المصحف الكريم فيمكن أن نكمل الترميم، أما إذا كان كتابا فقهيا أو مخطوطا قديما لا يمكن تكميله فإنه يرمم ويبقى النقص الموجود في كتاباته، وان كان هذا الكتاب مطبوعا ومحققا، فيرمم قسم من الورق المتآكل ويلون بلون طبيعي (مشابه للون بقية الأوراق) كي نحافظ على القيمة التاريخية والعلمية للمخطوط.
[img]pictures/2011/04_11/more1301824482_3.jpg[/img][br]
وحدة التصوير والتصميم:
(ضرغام نعمان) بادئ ذي بدء تصور المخطوطة قبل الترميم وأثناءه، ثم تصور نسخة نهائية بعد إكمال المخطوطة، والغاية من هذه العملية هي الأرشفة، حيث إن عادة الباحث أو المحقق إنه يطالب بنسخة من المخطوطة كي يستعين بها في أبحاثه فلا يعطى النسخة الأصلية ولكن نسخة مصورة كي نحافظ على المخطوطة الأصلية، ونراعي أجواء الرطوبة ودرجة الحرارة والإنارة حتى في التصوير ونمتنع عن استخدام فلاش الكاميرا لأنه ينشط بعض البيوض والبكتريا.
أما المصمم (هاشم حسين يوسف) فقد أكد لموقع نون إن عمله يتبلور في معالجة الصور في الحاسبة ببرنامج الفوتوشوب من دون التأثير على الخطوط الأصلية في الصورة ونعالج الصورة ونجهزها ونصممها بعدة أشكال، كأن تطبع على أوراق أو أقراص كي يستفيد منها الباحثون والمحققون.
وحدة تجليد الكتب المطبوعة (التصحيف):
[img]pictures/2011/04_11/more1301824542_1.jpg[/img][br]
(حسام عبد الإله) قال بدوره إن تجليد الكتب المطبوعة والتي تتعرض إلى تلف في المكتبة هو عمل هذه الوحدة.. فكثرة القراءة في الكتب يعرضها إلى الاستهلاك والتمزيق فهنا يعاد تجليده وكذلك النسخ المصورة من المخطوطات أيضا تجلد بهيئة كتاب كامل. ومن نشاطاتنا أيضا سحب الكتب من الانترنيت وتحميلها وخصوصا ً الكتب التي لم يعد طباعتها وفقدت من الأسواق فيتم سحبها وتحويلها إلى كتاب وتجليده وتذهيب الغلاف ويضاف إلى ما موجود من كتب في المكتبة العامة.
وحدة الأرشيف:
[img]pictures/2011/04_11/more1301824662_1.jpg[/img][br]
[img]pictures/2011/04_11/more1301824662_2.jpg[/img][br]
(عادل محمد علي) أكد لموقع نون إن عملي ينحصر في حفظ الكتب والوثائق ذات القيمة الأثرية والحضارية وأرشفتها وتصنيفها حيث نتبع طريقة الأرشفة الالكترونية عن طريق برنامج معيّن تتسلسل وتصنف وترتب وتطبع على أقراص للباحثين مثلا ً أما الأرشفة التقليدية هي التي تثبت في السجلات الورقية، وهكذا فإن شعبة المخطوطات تقوم بدورها المهني خير قيام للحفاظ على تلك التركة الثقافية والفكرية المهمة التي ترفد مفكرينا وباحثينا بشتى أنواع العلوم والمصادر التي يحتاجونها في البحث والتأليف والتصنيف، لنقف جميعا على أرض فكرية صلدة أمام العواصف الهوجاء التي تهب علينا من كل حدب وصوب محصنين بالعلوم الحقة التي تهبنا أمصال المناعة حيال كل زيغ وكفر وانحراف.
تحقيق :حسن الهاشمي/ تيسير عبد عذاب
موقع نون خاص
أقرأ ايضاً
- تصل الى (29) تخصص في اربع فروع العتبة الحسينية: الاعدادية المهنية للبنات تدرس (5) اقسام الكترونية علمية
- تستقبل طلابها في العام المقبل :العتبة الحسينية تُشـّيد جامعة تقنية تضم معاهد واقسام نادرة في العراق
- بدعم كامل من العتبة الحسينية المقدسة اجراء (1701) عملية جراحية خاصة ضمن برنامج الاستقدام والاخلاء الطبي