بقلم: حيدر عاشور
لعِبتْ الثقافات والسياسات دورا خطيرا في سوء تربية الضمير في العراق، خاصة عندما استسلمت الثقافة مؤخرا للسياسة، ففجع الناس في أمانيهم ومثلهم وهم يسيرون خلف ما تمثل لهم القدوات والقيادات..!! بعدما انتشرت في المجتمع الأفكار والمبادئ الحداثوية، أي كل شخص عليه أن يختار (المبدأ) الذي يريده كما يختار ملابسه وأشياءه الأخرى.
قال لي محدثي بعد أن استقرت أوضاعي المادية وأصبحت املك (البيت والسيارة والخلوي) أريد أن ترشدني إلى مبدأ مناسب انتسب إليه، بعد رواج تجارة الشعارات باعتبارها قدوة الكثيرين وبنى أصحابها أمجاد معنوية، ومعظم الناس يقدر الأشخاص بما يملكون، لان المال يغطي على كل ما يعتبره المجتمع عورات ومثالب وقبائح وأمور أخرى وصور مشينة إلى ..أخ..
بعد أن توهجت على العراقيين ثورة الإعلام وهي وجه الفكر السياسي المعلن بإصلاحات وتعابير قلبت المفاهيم.. فكل أجندة سياسية لها تصنيف للإعلام وتقسيم فئة الكلام المعد للاستهلاك الداخلي والمعد للتصدير وهو إعلام ذو وجهين، فنخرت الثقافة وتوقف المد الفكري الحقيقي، وأصبحنا مقلدين ومستوردين للفكر والثقافة، فبدأ المثقف على مختلف مشاربه، والمواطن البسيط يبحثان عن هوية مجتمعهم عن قدوة ينقذهم من ظواهر الفساد والانحلال التي غزت وتفشت في العراق برمته.
ويقول مستمعنا المشترك: يعني أنكما تقولان إن العراق اليوم يعيش بلا قدوة بلا هوية بلا قادة حقيقين، أخالفكما الرأي إن قدوة العراقيين والعالم كانت المرجعية الدينية العليا لأنها أكدت كثيرا على إظهار الهوية الوطنية بين المواطنين وشاركت في إظهار القدوة والقادة في المجتمع، وصنعت رجالا أشداء قاوموا وحجموا وانتصروا على أكبر موجه إرهابية في العالم (داعش)، فكانت الصوت الهادر والمرشد القوي والمفكر الواعي عن الكثيرين من المتسلطين على العراق، وكانت ولا تزال تملا الفراغات التي تحدثها السياسات والحكومة، بينما فئة كبيرة من المفكرين والمثقفين من الأكثرية الصامتة الذين كان التزامهم بأفكارهم وثقافاتهم التزاما سلبيا صامتا.
ونقول من نتائج ذلك انحسار مد الثقافة الدينية والثقافة العامة والفكر المتفتح وهبوط مستويات التعليم، لم تفرز هذه الحقبة الممتلئة بالانهيارات الثقافية مفكرا أو كاتبا أو شاعرا أو فيلسوفا وحتى تربوي، يكون امتداد للذين سبقوه من قمم ادبية وعلمية وتربوية، وقدوات للفكر والثقافة العراقية، باستثناء علماء الحوزات العلمية الذين يواصلون الليل بالنهار ليواكبوا العالم في العلوم الطبيعية والإنسانية ويحفظون ماء وجه المؤمن المعتقد بيقين أنهم طريق حق وهدات، إضافة الى جهود العاملين تحت لوائهم في المنظومة الإعلامية والثقافية الذين يبنون الناس ثقافيا ودينيا بجهود قل نظيرها في العالم، وسط ازدحام الثقافات والمبادئ والأفكار المسمومة.
لذلك تواصل المرجعية الدينية العليا إرشاداتها لتنبيه الناس أن يعرفوا مبادئهم ودينهم حقيقة لا خيال..؟!
ولكن يتراءى لي مشهد الفيلسوف الإغريقي (ديوجينز) حين صاح من فوق هضبة: أيها الناس، فلما سارعوا إليه واقبلوا عليه هز رأسه أسفا وقال: لم أنادكم إنما أنادي الناس...!.