- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ثقافة الاستهلاك في العراق (ظاهرة المولات انموجاَ)
بقلم: رزاق عداي
في سنوات الستينيات ظهر كتاب الفيلسوف الالماني الاصل - هربرت ماركوز - من مدرسة فرانكفورت، (الانسان ذو البعد الواحد)، الذي اصبح لاحقا احد المصادر الملهمة لثوار انتفاضة الطلبة والشباب -68- لعموم اوروبا وفرنسا خصوصا، والكتاب يتحدث بصفة محورية عما يسميه المجتمع الاستهلاكي في الانظمة الصناعية، واحد مظاهره هو تدمير العقل الطبيعي الذي بشر به التنويريون، عند مطلع احقاب الحداثة الاولى، ولكن بتقدم المجتمعات الراسمالية وتوحشها تحول هذا العقل عن بوصلته الاولى وبات (اداتيا) بوافع وبنية استهلاكية، وصل اليها المجتمع الراسمالي، وهذا الانحراف عن التنوير في مجال العقل هو من طبيعة النظام الرأسمالي ومن صلبه، الذي تتزايد فيه وتيرة الانتاج بغية تحقيقق زيادة الاستهلاك بشكل مستمر وبالعكس وبلا هوادة.
هناك فصل مهم في هذا الكتاب يتحدث فيه عن الثقافة في المجتمعات الاستهلاكية، فيصفها هي الاخرى تاخذ طابعا استهلاكيا بالضرورة توافقا مع تزايد ايقاع الحياة وسرعتها، اما القضية التي لا يثيرها الكتاب وهي المجتمعات، التي تكون ثقافتها استهلاكية، من دون أن تمر بالمراحل نفسها، التي مرت بها المجتمعات الراسمالية، والنموذج الراهن لهذه الظاهرة هو العراق، هنا ستكون اشكالية كبيرة جدا، اي ان بعضا من الثقافة ستكون صدى لايقاع خارجي، وهذا طبعا الذي نلمسة بقوة عندما اطلاعنا على موضوعات، التي تنهمك بمشكلات من مثل ما بعد الحداثة، فالفكر الغربي يتحدث عن معضلة يقلق بازائها بعد تجاوزه للحداثة وهي من صميم حياته بتطورها، والاخيرة باشكالها الشفافة والصلبة، والامر نفسه ينطبق على المجتمع الاستهلاكي، فالثقافة غير البالغة الى مستوى عال من الاستهلاك ستكون في حرج كبير عندما يكون عنصر الاستهلاك غير مشبع، او لما يكون المجتمع برمته يعيش مرحلة فيها مشاكل ما قبل الدولة.
يشير مصطلح الاستهلاك الى ترابط الأنشطة الاقتصادية مع الممارسة الثقافية، وهذه الممارسة تتحدد بدقة في ضوء راس المال وسيكولوجية الافراد، ويستخدم مصطلح ثقافة الاستهلاك للتأكد ان عالم السلع يلعب دورا اساسيا في فهم المجتمع المعاصر، حيث يؤكد التحليل السيكولوجي لثقافة الاستهلاك على بعدين: الاول: البعد الثقافي للعملية الاقتصادية، ويقصد به اضفاء معانٍ رمزية على السلع المادية، واستخدامها كوسائط للتواصل الاجتماعي.
والثاني: اقتصاديات السلع الثقافية، وهي فلسفة فاعلة ومؤثرة في مجال انماط الحياة واسلوب المعيشة لدى الجماعات والشرائح الاجتماعية في مختلف المجتمعات والثقافات، يكمن الفرق بين الثقافة والاقتصاد، في ان تطوير العملية الاقتصادية، مرهون باللحظة الاّنية التي يعيشها الاقتصاد، وبحسب الزمن الذي يحيا فيه، ويتنفس بحسب حالة السوق المتقلبة ويتطلع نحو ارباح مادية مستعجلة، بينما تطوير الثقافة وتنمية المجتمع ثقافياً، يحتاج الى استمرارية وتواصل، تبداْ من التغلغل في عمق هذا المجتمع والعودة الى بداياته للتماس مع اسسه، ومن ثم اعادة احياءها وترميم ما تحاول رياح الزمن ان تفككه وتمحوه.
الدول المتاخرة على الاغلب يحكمها ويقودها اشخاص يجهلون ماذا يعني الاقتصاد، ولا يفقهون دوره في بناء الدولة القوية والمتطورة، وقد جرب العالم منذ نشوء النظرية الاقتصادية التقليدية نماذج متعددة، افضت الى نتائج متباينة، لعب المستوى الثقافي والوعي في المجتمع لاستيعاب اشكال الانتاج والاستهلاك والاستثمار دورا حاسماً في سرعة ايقاع التحولات، وفي استقبال الحداثة والتحديث، وقد ثبت ان الاختلافات الثقافية تميل لصالح الاقدر من المستثمرين الملم بثقافة غير ثقافته.
يعيش العراق في حمى افتتاح المولات في مؤشر على تراجع اقتصاده بالمقارنة على مثيلاته في العالم، والغريب ان الحكومات العراقية السابقة وهيئة الاستثمار تعد ذلك مؤشرا للتنمية الاقتصادية في العاصمة، بينما تاْتي معظم رؤوس المستثمرة في تلك المولات من قروض توفرها المصارف الحكومية، فضلا عن كون الشركات المالكة لتلك المشاريع واجهات اقتصادية لقوى وشخصيات ومجموعات متنفذة.
اقتصاديون يعدون تلك المولات بدون اية جدوى انتاجية واقتصادية للاقتصاد الكلي المحلي، بل هي غسيل اموال للفاسدين، ناهيك عن كونها تكرس ثقافة استهلاكية مشوهة، باعتبار ان اقتصاد العراق لا يستند الى قاعدة اقتصادية رصينة، فلا انتاج سوى النفط، وهو الذي يمول الحكومة ويغطي نفقاتها وجيش موظفيها الكبير.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- الإجازات القرآنية ثقافة أم إلزام؟
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى