- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المجلس الحسيني مدرسة روحية تربوية - الجزء الثاني
بقلم: حسن كاظم الفتال
المعنيون بالشأن الحسيني والمتابعون والمهتمون يعدون اللطم على الصدور أنه شعيرة من أبرز الشعائر الحسينية وهذه الشعيرة تستبطن معاني واسرارا كثيرة تحتاج لشرح وتوضيح مما يطول بنا المقام . انما بكل اختصار هذه الشعيرة تمثل الاعلان عن ذروة الحزن على مصيبة سيد الشهداء صلوات الله عليه . لذا فإن القصائد التي دأب الرواديد على إنشادها أثناء اللطم على الصدور غالبا ما تتمحور مضامينها بالإشارة إلى الجانب العاطفي المأساوي في القضية الحسينية وإلى ما واجهه الإمام الحسين وأصحابه الميامين صلوات الله عليهم من مآسي وأحزان.
لذا نجد أن قبل اللطم كان الرواديد ينشدون قصيدة (الگعدة) أي قراءة أثناء الجلوس تتضمن هذه القصيدة عرضا لمفاهيم ومعلومات عن القضية الحسينية وأحيانا حتى عن مبادئ عقائدية وكذلك فقهية أو اجتماعية وتشخص ظواهر سلبية وتدعو لنبذها وغير ذلك.
وبعدها يبدأ اللطم بكل اسى وحزن وخشوع وحتى دون إصدار اي صوت أو تداعيات بكل تلقائية وعفوية ودون أي تصنع أو افتعال لأي حركة أو صرخة أو ما يشابهها ما خلا الردة للمستهل أي مطلع القصيدة . ينتصب الرادود على المنبر ولوحده فقط دون أن يعتلي احدٌ معه ويتلو القصيدة بتلقائية وعفوية وتفاعل مع النص وبنبرات حزينة فعلا وحقا ودون أن يؤدي أية حركات أو قفزات بين فترة وأخرى . وكم كان الرادود يتحاشى قراءة قصيدة بلحن أو بإيقاع سريع لا يتناسب مع مأساة القضية والعاطفة الحسينية.
لا نحسب أن أحداً حينها يفكر ولو للحظة واحدة بنيل الشهرة أو أي كسب ماديٍ أو اي أمر آخر إنما نيات صافية نقية موحدة . تنطوي عليها خدمة الإمام الحسين صلوات الله عليه وإعلان الموالاة والمواساة وتصديق المواثيق . خصوصا وقد عشنا في مرحلة لم تكن الكاميرات تتوفر فيها . وقلما تجد كاميرا وصورة ملتقطة بطريق الصدف.
وذات مرة حين اطال أحد الرواديد رحمه الله الوقوف على المنبر وتناول اكثر من قصيدة حسينية في مكان ما غادر الكثير من اللطامة المكان كل بسبب ظروفه. ولم يبقَ إلا القليل فقيل له : ( شيخنا طلعت الناس ). فقال : لا بأس فإن الملائكة يعوضون وها هي أعدادهم تتضاعف.
واذكر مرة أن أحد الأشخاص قال لصاحب موكب معين إننا صورنا موكبكم فرد عليه قائلا : نحن لا نحتاج إلى تصوير فإن الملائكة هي التي تصور بكاميرا السماء الربانية وهذه عقيدة صحيحة ونية صادقة لا اعتراض عليها.
ومن حسن الادب والاحترام والتقدير ونحن في مقتبل العمر آنذاك لم تسمح لنا الأعراف والتقاليد والآداب العامة أن نتوغل ونحشر أنفسنا بين متصدري المجلس ممن يكبرنا عمرا وخبرة وعلما . وكذلك كان الظرف العام يفرض علينا تحاشي الوقوف خارج القاعة أو الجامع أو الحسينية التي يقام فيها المجلس دون أن نتفاعل مع ما يطرح الخطيب في محاضرته.
وكانت إيحاءات وإيماءات الكبار بالتصرفات والممارسات تجعلنا ندرك أن من المعيب أن تشغلنا الأحاديث الجانبية فتمنعنا من الدخول إلى المجلس فإن لكل مقام مقالا . ولو أتيح لنا فعل ذلك فإن أنفسنا هي التي تنهرنا إجلالا وإكبارا للمجلس الحسيني ولمقيميه ومحييه ورواده من كبار السن. ولا يحق لنا أن نتجاهل ما يحصل وما يتحدث به الخطيب . ولو حدث وفعلنا ذلك متجاوزين حدود الأدب فهنالك من سوف ينهرنا ويمنعنا ويعيدنا إلى رشدنا.
كان علينا أن نبدي الحزن فعلا وحقيقة احتراما لهيبة ووقار المجلس الحسيني وإعلانا للحزن على الإمام الحسين صلوات الله عليه بكل مصداقية وخلوص.
حُجية مراعاة الشباب واهية
كان الشباب ومن يصغرهم عمرا في كثير من الأحيان هم عماد المجالس الحسينية. وكان الرادود يتلو قصيدته التي كتبها أروع الشعراء وهو غير ملزم بان يغير اللحن أو الوزن أو ما يسمى بالطور بحجة مراعاة مشاعر الشباب . إذ أن الشباب يحيا في وسط حسيني نشأ وترعرع في هذا الوسط وتربى على عادات وتقاليد وأعراف ومفاهيم حسينية وأدبيات توارثها من الأسلاف وذاب فيها وترسخت في العقل ويفهم جيدا ما يطرح بل أن الشباب أكثر تفاعلا من غيره مع القضية الحسينية ويعيش اللحظات الحزينة ولا مبرر لأن يغير الرادود إيقاعات القصيدة بحجة وجود الشباب أو الأطفال لذا فإن الواقع فرض على الشباب أن يرتقي لمقاصد وطبيعة القضية الحسينية التي تبينها القصيدة الحسينية حين يتلوها الرادود .
وهنالك تسجيلات كثيرة لعلنا نسمع فيها أصوات الشباب أو حتى الأطفال أكثر إصداحا من اصوات الكبار . فإن حجة النزول إلى مستوى الشباب حجة واهية لا مبرر لها.
وإن الحسينيين من كبار السن الذين أنعم الله عليهم بالعيش بين هذا الوسط ولا زالوا والحمد لله يؤدون الدور المشرف بالحضور والمساهمة في إقامة وإحياء المجالس الحسينية عاصروا معظم الخطباء والرواديد واستمعوا للكثير من القصائد ويدركون تماما كيف أنهم منذ صغر السن واكبوا المجالس الحسينية حتى بلغوا مرحلة الشباب وثم بلغوا الشيخوخة . ولم يلاحظوا لا هم ولا غيرهم يوما من الأيام أن حاول أحد الرواديد أو اضطر إلى أن يغير وزنا من أوزان القصيدة ليجعلها تنسجم مع رغبات شريحة معينة أو تبديل لحن بآخر ذي إيقاع نغمي سريع بحجة تلبية رغبة الشباب . وكأن الشباب خلقوا لغير ما نحن فيه وعليه .
وهذا ما حث وحفز لأن يرتقي الشباب إلى أدبيات المجلس الحسيني وأن يُتَخَذ من المجلس فعلا مدرسة تربوية روحية تدخلت كثيرا وبشكل مباشر في تغيير وتحسين السلوكيات وقادت إلى ثقافة حسينية رائعة. مصدرها المجلس الحسيني.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول