بقلم: حسين فرحان
عندما يرشدك شخص حكيمٌ.. حليمٌ.. خبيرٌ بحوادث الدهر وعواقب الأمور، ويمنحك مصباحا تهتدي به في الظلم لينجيك من العقبات ومضلات الفتن، فهو متفضل عليك ومنعم يستحق شكرا .
وعلى مر العصور والأحقاب اصطدم الناصح الأمين بمن يتنكر للنصح فيصم الأذن ويستغشي الثوب ويثرثر بكلمات إرث قديم راسخ في قلوب هي "كالحجارة أوأشد قسوة".. فكان العذر لديه أقبح من الذنب ..ولو سألته عن حجته أجابك:
( لأن الله اصطفاه فعليَّ منابذته..
و لأن أباه أحبه، فعليَّ أن ألقي به في الجب..
و لأنه أفصح مني فعليَّ أن احسده..
و لأنه شجاع عالم قد زاده الله بسطة في ما لا أمتلكه، فعليَّ أن أغدر به، لكي لايستقيم له أمر ولا تثنى له وسادة..
و لأنه في قلوب الناس فعليَّ أن أمزق تلك القلوب..
و لأنه نبي سأكذبه وأنعته بالسحر والجنون..
و لأنه إمام فينبغي أن أزيله عن مرتبته وأصنع معه ألف إمام مزيف يمارسون الضجيج لألف سنة قادمة يضيع فيها اسمه فلا ينظر إليه..
ولأنه مرجع ثقة، عادل، عالم، عامل، فينبغي أن أملأ الدنيا بالممثلين والمدعين ماليس لهم وفيهم لأٌسكت صوته..
ولأن كل هؤلاء يقولون الحق فينبغي أن اتقمص الباطل وأدافع به عن مكتسباتي التي لا يروق لي أن أراها وهي تذوب وتنصهر أمامي مع الحسد الغالب على تلك النفس الأمارة التي تكره أن ترى نفسا مطمئنة..
تاريخ الأرض يشهد بذلك، فالحق الحقيق يقابل بباطل الأباطيل ويخالف، رغم أن لا حكمة في المخالفة، وهي الحقيقة التي يؤمن بها حتى الحاسد والحاقد والمكابر المعاند فينكرها، وما ذلك إلا من الجحود بما استيقنته النفس ..
الأشد إيلاما وما يحز في القلب أن ينكِر الحق من هو في دائرتك ويدًعي أنه على خطك وخطاك مثلهُ كمثل إخوة يوسف يجمعهم الدم ويفرقهم الحسد.. مثله كمثل من يدينون بدينك يجمعهم الإسلام وتفرقهم الأحقاد والمطامع التي خلفت المصائب والأحزان في البيت النبوي إلى يوم الناس هذا.
وليس ببعيد عنا اليوم بعض الشواهد والمصاديق لزيف الإدعاء ومخالفة الحق، حين نرى صنفين من الناس وهما يخالفان منهج المرجعية الدينية أحدهما الحاسد الذي يكره أن يرى علو مقامها، والآخر الحزبي، وكلاهما يمثلان الطبقة السياسية الحاكمة منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن ولها لسان حال ومقال تعلن بهما أن السياسي إن أطاع بشكل حقيقي فإن طاعتها ستفقده مكاسبه الدنيوية، فتراه يتمترس بأدوات سلطته ونفوذه ويتخندق مع حزبه في مواجهة رؤية حكيمة ومنهاج حق رغم كونه ممن يدعي الوصل والإنتماء والتقليد والطاعة لهذه المرجعية الدينية التي لو سئل عنها في لقاء متلفز عبر إحدى قنواته الفضائية، لأجاب: بأنها ( عُليا )، لكنه يأبى إلا أن يخوض حربا ناعمة يصعب تمييزها..
محيٍرة تغير لونها كل حين، يكون منطقه المستتر في وصفها : ( أنا أحترمك لكنني لا أمتثل لنصحك ) فنصحك يحرمني منصبا لطالما حلمت به وملايين لم أكن لأنعم بها.. نصحك يفقدني ارتباطي بالخارج وارتباطي بالخارج يمنحني مالا يمنحه لي أحد.. نصحك يجعلني خادما للشعب وأنا لا أحب أن أكون خادما إلا لمن يرتضيه مزاجي ولمن عهدت فيه الولاء والتصفيق وكثرة الأهازيج والدفاع المستميت عني، لذلك علي أن أحرف الكلم عن مواضعه .. فالسيادة التي تتحدث عنها ينبغي أن تكون بشرحي أنا وفهمي أنا والغرباء الذين رفضتَ تدخلهم في شؤون البلد ينبغي أن يكونوا بحسب استثناءاتي أنا.. والوجوه التي لم تجلب الخير لا تعني بالضرورة أن يكون وجهي واحد منها بكل تأكيد، لأنني بحسب تصوراتي أو توهماتي وميولي ورغباتي نزيه إلى حد النخاع، ولك أن تسأل جمهوري المتحزب اللا مستقل الذي يصفني بالخط الأحمر ويعتبرني رمزا..
اما الأمتيازات التي تنتقدها في خطبك فسأعمل جاهدا على المطالبة بإزالتها ولكن دون مساس بامتيازاتي أو امتيازات رفقائي أو أنصاري، فهي من الحقوق التي شرعتها بشرعتي ولي في ذلك حجج ومبررات..
نصحك مقدم وواجب لكن علي أن أمارس معه التسويف والمماطلة مااستطعت ذلك، وسأقابله بكل شواهد المخالفة التاريخية وسأركبها طبق عن طبق، أزج نفسي وجمهوري بجحر ضب وأطلب المغفرة عند الموت.. فهو جمهور لن يصدق يوما أنك تقصدني بهذا التوبيخ والتجاهل بل هو مقتنع بأنني الأبن البار وهو انطباع جيد ارجو أن لا تطلع عليه الشمس.
أنا أعلم أنك لست راض عني وقد أغلقت بابك منذ سنين طوال بوجهي ووصفت جشعي بالتكالب، لكنني -وبحسب السنن التاريخية - لا أختلف كثيرا عن فرعون الذي طغى..
أنا أعلم أنني حين آويتُ إلى الحزب والنفوذ والسلطة كنتُ مثل ابن نوح الذي أغرته القمم بالنجاة فاعتصم بها ولاعاصم.
أنا أعترف بأنك لم تترك صغيرة ولا كبيرة في أدائي السياسي والتنفيذي لم تنتقدها مادامت سيئة، لكنني في ذات الوقت نجحتُ في الحفاظ على صورة الحمل الوديع بنظر جمهوري الذي أتذكره ذات يوم وقد خاض وجادل ودافع من أجل أن يثبت للآخر أن المجرب الذي لا يجرب لست أنا، بل هو الآخر الفاسد، كما أتذكر أن جمهور ذلك الآخر قد فعل الأمر ذاته، نعم لقد نجحنا بصناعة هذه الإمعات والأدوات وجعلناها تنظر لخطبة الجمعة بهذه الثقافة التي تنأى بنا عن النقد حتى أصبحنا على ثقة بأنك لو شخصتنا بالأسماء واحدا واحدا فأن جمهورنا العزيز سيجد ألف طريقة للتأويل وسيكون ذلك بمعونتنا، فآلاتنا الإعلامية ( متعوب عليها )، وجيوشنا الألكترونية تنعم (بجالنا).
أعلم أن تحزبي قد سلبني التوفيق لذلك لم أوفق لطاعتك.. وأعلم أن معركة الإصلاح التي أيًدتَها ستتوج بالنصر في نهاية المطاف، لكنني سأقاوم ومعي جيش من المعاندين..
وكما أعلم أن الصلاة معك أتم، لكن لذة الرياسة والمنصب - كمائدة معاوية- أطيب وأدسم .
أقرأ ايضاً
- الصيد الجائر للأسماك
- ضمانات عقد بيع المباني قيد الإنشاء
- إدمان المخدرات من أسباب التفريق القضائي للضرر