- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
سفينة المساكين في مواجهة "كورونا"
بقلم: عادل الموسوي
امسِ - وانا اقرأ سورة الكهف استذكرت تساؤلات وخواطرَ كانت لدي حول ما قام به العبد الصالح في قصته مع موسى عليه السلام، وكان من تلك التساؤلات: هل اقتصرت حياة العبد الصالح على تلك المواقف الثلاث والأعمال العجيبة التي قام بها في تلك الفترة من الزمن؟ ام أنه وغيره من الاولياء من الممكن أن يضعوا حلولاً للمعضلات ويحلّوا المشاكل لافراد وجماعات على طول مسيرة الإنسان؟
المساكين لم يعرفوا من خرق سفينتهم، والأبوين المؤمنَيْن لم يعرفا من قتل ابنهما، ولم يعلما أنه لو عاش لارهقهما طغياناً وكفراً، والغلامين لم يعلما باقامة الجدار على كنزٍ كان لهما، وكثيرٌ ممن لم يعلم ولم يجد تفسيراً لبعض الحوادث والمواقف التي واجهها في حياته، كما أن كثيراً من الأحداث قد انتهت ولم يكن في البين تصور او تصديق بإمكانية انتهائها وكيفيته.
لم نتصور أن تنتهي الحرب العراقية - الإيرانية، أن تنتهي حرب الخليج، أن يرفع الحصار، لم نتخيل زوال الحكم المباد، لم نتوقع خروج الاحتلال -وان كان شكلياً- لم نتخيل انحسار التفجيرات الإرهابية، وكذلك الحرب مع داعش.. وفي جميع ذلك لم نعلم كيف انتهى كل ذلك.
وسواء أكان بتدخل يد خفية وتسديد إرادة ربانية ام للجريان وفقاً للسن التاريخية، ففي كل الأحوال لم يبقَ الحال هو الحال.
فإذن لِمَ الاستسلام لانتشار الوباء، ولِمَ يكرر البعض كلمات اليائسين، "استعدوا لتوديع الاحبة"، "نحن نمر بمرحلة مناعة القطيع"، ينتهجون سيرة من يكيل بميزان الربح والخسارة، يستعجلون إصابة القطيع بالكامل -مع التحفظ في استعمال المصطلح- وما أدراك أن القطيع سيكتسب كامل المناعة، ولِمَ التعجيل بموت كبار السن وذوي المشاكل صحية -مع فرض احتمال موتهم دون غيرهم- وإن كان الوباء مستحكماً فما الضير في التأخير والدفع بقدر ما يمكن ف{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا} من الوصول إلى علاج او لقاح او انحسارٍ للمرض بين ليلة او ضحاها، او أن يعي الناس ويعتبروا فيكون مفتاح الفرج في الرجوع إلى الله {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا..}، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}، {وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ }، وربما احتجنا قليلاً من الصبر، {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.
صبرٌ على الوباء وصبرٌ على سياسات التجهيل الإعلامية والصحية والدينية..
لقد وصل معدل الإصابات إلى ٦٨٤ اصابة -في أعلى مستوى له- في ٢٠٢٠/٤/٧ ثم بدأ بالانحسار فوصل إلى ٤٠٢ اصابة -في أدنى مستوى له- في ٢٠٢٠/٤/٢٢ ثم بدأ بالارتفاع بعد استبدال الحظر الشامل بالحظر الجزئي -كما يسمى- وبقفزات مخيفة حتى وصل معدل مجموع الاصابات اليوم إلى 3690 إصابة. (معدل الاصابات هو عدد الراقدين الكلي = مجموع الإصابات - حالات الشفاء وحالات الوفاة)
لقد استسلموا لسياسة الغرب وحساباته المادية في مواجهة الوباء.
مع بداية الأزمة كان للجهات المعنية إجراءات جيدة في مواجهة الوباء، وكان الأمر مستغرباً فكل ما هو جيد ونافع فهو غير معهود من تلك الوجوه التي لم تجلب الخير للبلد.. الا ان تكون -تلك الاجراءات- استثماراً سياسياً نجح في اخراج القوى السياسية الممسكة بزمام السلطة من أزمتها بمعونة خلية الازمة، ويبدو أن الأمر قد اتسق بالمباركة للمكلف الجديد الذي فرضته تداعيات "كل شيء"، لذا لابد من قرارات سياسية صحية جديدة.
أثبتت تلك الوجوه المهارة والجدارة في ادارة الوقت بالمماطلة والتسويف لتوفير ما يلزم لإعادة ترتيب الأوراق في ظل الاحتجاجات المحجورة، وربما اقتربت أزمة السياسيين على الانفراج، مع انباء عن انخفاض معدلات الإصابة -حينذاك- فكان لابد لخلية الأزمة من اعادة تنظيم المعادلة.
لِمَ اختلفت السياسة الصحية في مواجهة الوباء مع تشكيل الحكومة الجديدة؟ واختلفت كذلك سياسات أخرى منها اقتصادية وخارجية وحتى أخلاقية، ومثالها السماح برفع علم "المثليين" في بغداد.
لِمَ يجب أن نخضع لسياسات خاضعة لغيرها في كل شيء حتى في سياسة مواجهة الوباء.
لِمَ يجب أنْ نخضعَ لسياساتِ منابرَ خاضعةٍ لاهواء تتخذ التجهيل ونشر الحمق مبدأً، وتدعو لمخالفة التوجيهات الصحية وتستنكرها، وكأن العاملين بها يحتاجون إلى تصحيحٍ في الاعتقاد، فينبري أحدهم صاخباً يرتجفُ مستنكراً: "كيف يعقمون ضريح المعصوم وهو طهر طاهر مطهر"..
انهم يستنكرون ضمناً توجيهات المرجعية الدينية بضرورة الالتزام بتلك التوجيهات الصحية.
من الممكن الاحتجاج على سياسة الحكومة، بل والقيام بثورة، ولكن ماذا عن الاحتجاج او التعامل مع فئات جاهلة مسطحة الوعي متمردة على كل شيء لا تستند إلى منطق في كل شيء حتى بالتعامل مع الموت.
ربما علينا أنْ ننتظر من يعيب السفينة
ويقتل الغلام ويقيم الجدار!!!
الهي"..وَقَفَتْ سَفِينَةُ المَساكِينِ عَلى ساحِلِ بَحْرِ جُودِكَ وَكَرَمِكَ يَرْجُونَ الجَوازَ إِلى ساحَةِ رَحْمَتِكَ وَنِعْمَتِكَ".