- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مدخلية الأموال في جلب السعادة وعدمها
حسن الهاشمي
صحيح ان المال والثروة يجلب لنا الرفاهية في العيش وربما الصحة في البدن في بعض الأحيان، وصحيح انه لولا المال لما تمكن الانسان من تأدية متطلباته في الحياة بصورة صحيحة، بل صحيح انه وبدون المال ليس باستطاعتنا ان نصلي أو نزكي أو نخمس أو نصوم أو نحج... الخ من بقية التكاليف الشرعية، وصحيح أيضا أنه وكما جاء في أدبياتنا: لولا الخبز ما صمنا ولا صلينا ولا أدينا فرائض ربنا، أو كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: كاد الفقر أن يكون كفرا، ولو تمثل لي الفقر رجلا لقتلته، نحن نقر انه لولا القدرة المالية لما يتمكن الانسان من مزاولة هذه الأمور المهمة في حياته اليومية، ولكن الأصح ان نذعن أيضا أن المال هو وسيلة وليس هدفا بحد ذاته، أن يعيننا على تقوية الجسم في طاعة الله تعالى وخدمة العباد واعمار البلاد.
ومن السخف القول إن المال وزيادة الرفاهية تعني السعادة، فالسعادة تأتي من القدرة على الإحساس بعمق والتمتع ببساطة، والشعور بأن الآخرين يحبونك ويحتاجون إليك، السعادة ان تجعل نصيبا من أموالك لسد جوعة مسكين وكسوة بدن عريان وانتشال كبوة محتاج مثلما تفعل ذلك مع نفسك وعائلتك والمقربين من حولك، السعادة ان ترسم الفرحة على وجوه الاطفال الشاحبة مثلما ترسمها على وجوه اطفالك الترفة، السعادة ان تقتسم الرغيف الذي عندك مع المسكين والفقير والأسير لكي يفك الله تعالى أسرك من حطم الدنيا وسعير الآخرة، السعادة ان تضاعف أموالك بالبركة في إغاثة الملهوفين لا ان توصدها أغلالا في عنقك تضيق الخناق عليك ومن يلوذ بك في منع البذل وأنانية السلوك وما يؤول اليه في سلب البركة والتوفيق.
قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) (الكهف: 46)
الآية تذكر وضع المال والقوة الإنسانية اللذين يعتبران ركنين أساسيين في الحياة الدنيا، حيث تقول: المال والبنون زينة الحياة الدنيا .
إن هذه الآية - في الحقيقة - تشير إلى أهم قسمين في رأسمال الحياة حيث ترتبط الأشياء الأخرى بهما، إنها تشير إلى ( القوة الاقتصادية ) و ( القوة الإنسانية ) لأن وجودهما ضروري لتحقيق أي هدف مادي، خاصة في الأزمنة السابقة إذ كان من يملك أبناء أكثر يعتبر نفسه أكثر قوة، لأن الأبناء هم ركن القوة، وقد حدثنا التاريخ أن صاحب البستان الغني كان يتباهى بأمواله وأعوانه على الآخرين ويقول: أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا.
لذا فإنهم كانوا يعتمدون على " البنين " جمع ( ابن ) والمقصود به الولد الذكر، حيث كانوا يعتبرون الولد رأسمال القوة الفعالة للإنسان، وبالطبع ليس للبنات نفس المركز أو المقام.
المهم أن المال والبنون بمثابة الورد والبراعم الموجودة على أغصان الشجر، إنها تزول بسرعة ولا تستمر طويلا، وإذا لم تستثمر في طريق المسير إلى ( الله ) فلا يكتب لها الخلود، ولا يكون لها أدنى اعتبار.
ورأينا أن أكثر الأموال ثباتا ودواما والمتمثلة في البستان والأرض الزراعية وعين الماء قد أبيدت خلال لحظات.
وفيما يخص الأبناء، فبالإضافة إلى أن حياتهم وسلامتهم معرضة للخطر دائما، فهم يكونون في بعض الأحيان أعداء بدلا من أن يكونوا عونا في اجتياز المشاكل والصعوبات.
ثم يضيف القرآن: والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا، بالرغم من أن بعض المفسرين أرادوا حصر مفهوم ( الباقيات الصالحات ) في دائرة خاصة مثل الصلوات الخمس أو ذكر: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وأمثال هذه الأمور، إلا أن الواضح أن هذا التعبير هو من السعة بحيث يشمل كل فكرة وقول وعمل صالح تدوم وتبقى آثاره وبركاته بين الأفراد والمجتمعات.
*الامثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج9 ص282
اذن المال وحده والبنون وحده لم يجلب الفلاح والسعادة للإنسان، ربما يتصف بالسعادة ولكنها سعادة مؤقتة مشوبة بالمصاعب والمتاعب، لانهما حالات مادية يصيبها التلف والعطب والهلاك، ومتى ما اندكتا بالباقيات الصالحات وهي أعمال البر والاحسان وبقية الآثار المعنوية فإنهما تكتسبان صفة السعادة الدائمة تبعا لما اندكتا فيه من صفات معنوية خالدة لا تتأثر بتقلبات الزمن مهما عصفت بها من كوادر وخطوب.
الثروة وحدها لا تكفي لجلب السعادة، وقد تكون وبالاً على صاحبها، المال لا يجلب السعادة لكن يسمح لنا أن نعيش تعاستنا برفاهية، وثمة بون شاسع بين الرفاهية المادية والسعادة المعنوية، إذا جعلت من المال مصدر سعادتك فقد جعلتها في ما لا يدوم، فالمال ينفد وبورصة الذهب والدولار لا تثبت على حال، وإذا جعلت سعادتك في الجاه والسلطان.. فالسلطان كما علمنا التاريخ كالأسد أنت اليوم راكبه وغدا أنت مأكوله، وإذا جعلت سعادتك في تصفيق الآخرين فالآخرين يغيرون آراءهم كل يوم، فالسعادة لا يمكن أن تكون في المال أو القوة أو السلطة بل هي في (ماذا نفعل بالمال والقوة والسلطة).
يمكن توصيف الذي يرى السعادة في اقتناء المال والسلطة فحسب بإنسان ضائع.. متشرد بدون أهل.. بدون سكن.. بدون وطن.. بدون شيء يمت إليه بالقرابة.. بدون شيء يمسك عليه وجوده.. حتى اذا ضم لحظاته بعضها في بعض.. أنه يتبعثر في ألف رغبه.. تنتهى إلى ملل وكل.. ينتهى إلى يأس.. لأنه يصبح مجرد شهوات.. حلقها جاف تزداد عطشا كلما ارتوت.
ما هو أكثر شيء يسعدك في هذه الدنيا.. المال، الجاه، النساء، الحب، الشهرة، السلطة وتصفيق الآخرين.. إذا كنت جعلت سعادتك في هذه الأشياء فقد استودعت قلبك الأيدي التي تخون وتغدر، وائتمنت عليه الشفاه التي تنافق وتتلون، ووليت عليه العقول التي تذل وتبطش، وأعطيت قياده للصبيان والسفهاء الذين يتقاذفون بك ذات اليمين وذات الشمال.
حتى إذا امتلك الإنسان المال وتمتع بالصحة لن يتوقف عن التساؤل إن كان سعيداً أم لا، ليس كل من يغني مسروراً؟! الكثير من الأغنياء الأصحاء يستيقظون فجأة على ركام حريق أو غرق سفينة أو سرقة أموال ومجوهرات، هنا تكمن السعادة كيف يتصرف المرء ازاء هذه الكوارث؟! فالسعيد من يلتزم بمفاد هذه الآية (لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) الحديد: 23والتعيس على عكس ذلك تماما.
حين نفقد وجهتنا لا تكون للأشياء الأخرى أية قيمة في خلق سعادة مسلوبة، فالوجهة الصحيحة هي التي تقود الى السعادة الحقيقية، وما دام الانسان بعيدا عنها فانه وان تخيل انه سعيد يتمتع بصحة جيدة ومال وفير وعشيرة ساندة، بيد ان سعادته تبقى مخرومة لأنها تستند الى ارضية رخوة، لا يمكن الارتكاز اليها فضلا عن الانطلاق منها لآفاق جديدة في الحياة.
إن السعادة أن تمتلك مشروعاً لا ان يمتلكك المشروع، والعافية هي أن تضحك من القلب لا ان تضحك من الشفاه، والسعادة التي لا يكتب عنها أحد، نحن نعيشها في جشع ولا نشارك فيها أحدا، وغاب عنا انها تتمثل في مشاطرة المعوزين كسرة الخبز، والابهى منها ايثارهم علينا ولو كان بنا خصاصة، وهذه المرتبة من السعادة لا يتلقاها الا ذو حظ عظيم وقليل ما هم في كل زمان ومكان.
بقي ان نذكر ان الكثير منا يتصور بان السعادة ان تتمتع بالمال والسلطة وانت في ريعان الشباب بما يوفر لك من الطاقة في التلذذ بمتع النساء والأكل والشرب والسفر وما شابه ذلك، ومن النادر أن يجمع شخص واحد بين الشيخوخة والسعادة مجتمعتين معاً في نفس الوقت.
أقرأ ايضاً
- ماشاء الله! هل تصدقون.. العراق خامسا عربيا بالسعادة!
- التعريف القانوني لجريمة غسل الأموال
- الحكومة والامريكان وإدارة ملف الأموال العراقية