- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
غسيلُ الأموالِ والأنفُسِ والوجوهِ المُريبة
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
في الاقتصاد، كما في القانون، فإنّ عملية غسيل الأموال Money laundering هي جريمة اقتصادية تهدف إلى منح الأموال مجهولة ومشبوهة المصدر"شرعيّة قانونيّة"، وذلك من أجل امتلاكها، أو التصرّف بها، أو إيداعها، أو استبدالها، أو نقلها، أو التلاعب في قيمتها، لأنّها عائدات من أنشطة غير مشروعة.. كإنتاج وتسويق المخدرات، و"الفدية" المدفوعة مقابل اختطاف الرهائن، وسرقة موجودات ثمينة يصعب بيعها (كالمجوهرات النادرة، واللوحات الفنية والقطع الأثريّة)، و الإرهاب، والاختلاس، وأتاوات المافيات (المُستقرّة والجوّالة على حدٍّ سواء)، وعمولات وصفقات و"مُقاولات" الفاسدين (بمختلف درجاتهم ومراتبهم، ومناصبهم)، و"ريوع" ومكاسب التخادم "السياسي- الزبائني"، وأتعاب "الخيانات" الصغرى والكبرى.. وغيرها كثير.
ويمُرّ غسيل الأموال بمراحل ثلاث هي :
أوّلاً - مرحلة الإيداع: و تُعرف أيضاً بمرحلة "التوظيف" أو الإحلال، ويتمّ بها التخلص من كميات كبيرة من النقود القذرة بعدّة طرق (يمكن الاطلاع عليها في الكتابات ذات الصلة بهذا الموضوع)، بهدف تسهيل عملية اعادة بيعها (أو تسويقها) لاحقاً.
ثانياً - مرحلة التمويه: و يُطلق على هذه المرحلة أيضاً إسم مرحلة "التعتيم"، أو التجميع.. و تبدأ عندما تدخل الأموال الى قنوات النظام المصرفي الشرعيّ، فيقوم "غاسِل" الأموال بفصل (وعزل) الأموال التي يُريد غسلها عن مصدرها غير الشرعي.
ثالثاً - مرحلة الإدماج: و هي آخر مراحل عملية غسيل الأموال.. وتتمثل في منح هذه الأموال الطابع الشرعي، لذا تُعرف باسم مرحلة "التجفيف".. وهنا "تُدمَج" الأموال المغسولة مع النظام المصرفي والدورة الاقتصادية، فتظهر على أنّها عوائد طبيعيّة لصفقات تجارية معروفة واعتياديّة.
في السياسة.. كما في الاقتصاد.. كما في "نظامنا" السياسي المُلتَبِس ..
يحدثُ الأمر ذاته.
حيث تتمُّ عملية غسيل الوجوه الكالحةِ - القذِرة Faces laundering على ثلاث مراحل، هي: الإيداع، والتمويه، والإدماج (داخل الكيان السياسي – المجتمعي).. مع كُل ما تتضمنهُ هذه المراحل من توظيف و إحلال و تعتيم و عزل و تجفيف، لكي تكون هذه الوجوه صالحةً للتسويق والتداول، ليس بيننا، وداخل كياننا المجتمعي فحسب، بل وحتّى على المستوى الخارجي – الدولي.
بعدها تُستكْمَلُ عملية "تبييضها"، من خلال ضخّ كمٍّ هائلٍ من الأوهام، والتنظير، والتدليس، والأكاذيب الصفيقة.
ومن ثمّ تأتي المرحلةُ الأخيرةُ في تأسيس منظومات الخراب الشامل والتامّ.. حيثُ يتمُّ تسويق هذه الوجوه، وترسيخها، وتمكينها من التحكّمِ في إسلوب حياة و تفكير و"وعي" الشعوب الضعيفةِ المُتعَبَة، والمُثقَلَة بـ "النوايا" الطيّبة، واليأسِ العميقِ، والقهرِ المُستدام، و"المُعبَّأةِ" بالآمال و"الأمنيات" العظيمة أيضاً.. وإعادة برمجة ذاكرتها، وبناء سرديّاتها.. وبما يجعلُ هذه "الوجوهَ" بمثابة منظومات تدمير بقوّة دفع "ذاتية" للبُنية المجتمعيّة،وبما يُمكّنُها من أداء المهام الموكلةِ إليها، وتعزيز قدراتها على البقاء والحُكم.. لأطولِ مُدّةٍ ممكنة.