- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
من الذاكرة الرمضانية الكربلائية ...الجزء الثالث
فمن شهد منكم الشهر
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
عادة في الليلة الأخيرة من شهر شعبان المعظم وقبيل أذان المغرب من تلك الليلة تجد الناس يتجمعون في مناطق سكناهم في أماكن مكشوفة وخصوصا سكنة الأحياء البعيدة عن مركز المدينة يُكَوِّن الناس مجاميع معينة في ساحات واسعة أو على سطوح المنازل لرؤية الهلال امتثالا لقوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ـ البقرة / 185 وأول من يشاهد الهلال هو صاحب البصر الحاد القوي ثم يبدأ الآخرون بالرؤية بدلالة الرائي أو المشاهد الأول وترتفع الأصوات بالصلاة على محمد وآل محمد والبعض يقرأ بعض الأدعية ويطبق قول الأئمة الأطهار عليهم السلام .
إذ روي عن أبي عبد الله صلوات الله عليه : ( أنه إذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر إليه ولكن استقبل القبلة وارفع يديك إلى الله وخاطب الهلال وكبر في وجهه ، ثم تقول : ربي وربك الله رب العالمين ، اللهم أهله علينا بالأمن والأمان والإيمان والسلامة والإسلام والمسارعة إلى ما تحب وترضى ، اللهم قد حضر شهر رمضان ، وقد افترضت علينا صيامه ، وأنزلت فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، اللهم أعنا على صيامه وقيامه وتقبله منا ، وسلمنا فيه وتسلمه منا وسلمه لنا في يسر منك وعافية ، إنك على كل شيء قدير يا ارحم الراحمين ).
ولم تكن مدينة كربلاء المقدسة بهذه السعة وهذا التعداد السكاني ورغم ذلك كان البعض لا يكتفي بالتجمع في الأماكن المكشوفة إنما يذهب إلى أي منطقة صحراوية قريبة من حدود المدينة أو على أطرافها خصوصا وإن المدينة كانت محاطة بالبساتين .ويتم رؤية الهلال . على الدراجات الهوائية
والبعض ممن يشاهد الهلال يغمض عينه حتى ينظر إلى شيء معين يتفاءل به فمنهم من ينظر إلى مرآة ومنهم من ينظر إلى وجهٍ حسن إذ يمثل الحسن والصفاء والبعض ينظر إلى وجه أمه أو أبيه وبما أن الغالب ممن يشاهد الهلال من على السطوح فيدير بوجهه نحو منائر الإمام الحسين صلوات الله عليه ليمتع نظره بالتماع بريق الذهب الذي يشع منه نور البهاء والقدس والخير والبركة إذ هي مصدر كل ما يوفر للإنسان من سعادة ورفاه .
هذا فيما إذا وضحت الرؤية وشوهد الهلال بشكل طبيعي وبالرؤية المجردة . إما إذا لم يشاهد الهلال من قبل عامة الناس فيعتمد على صدور رأي المرجعية فيما بعد.
وكثيرا ما كان يتعذر على الناس والعاديين خصوصا رؤية الهلال حين تتعلق المسألة بالحجم ووقت ولادة الهلال وظهوره والإخضاع للأمور الفلكية فكان الناس في مدينة كربلاء المقدسة يتجمهرون أمام مكتبة السعادة لصاحبها المرحوم السيد حميد زيني وهي تقع مقابل الجهة اليمنى لباب الشهداء من الصحن الحسيني الشريف أو على مقربة من بداية ( عگد السراجين ) فقد كان السيد سعيد زيني وكيل المرجع الديني السيد محسن الحكيم ويوجد جهاز هاتف ارضي في المكتبة وكان من خلاله يتم الإتصال من النجف لمعرفة ثبوت رؤية الهلال .
وبعد طول انتظار التجمهر يرن جرس الهاتف ويتحدث السيد ثم يشير بكلتا يديه إلا الناس مبتسما بثبوت الرؤية الشرعية للهلال .
هذا الوصف يشمل إستهلال شهر رمضان المبارك وثم ليلة عيد الفطر كذلك وربما سوف أتحدث عن تلك الليلة تباعا
الترحيب بالشهر
ـــــــــــــــــــــــــ
مئذنة الإمام الحسين عليه السلام داخل الصحن الحسيني الشريف كانت ولازالت بالنسبة لمدينة كربلاء المقدسة وضواحيها تعد من أهم وأبرز المراكز الدينية الإعلامية . وكانت الناس تنصت إنصاتا تاما لما يذاع من المئذنة إذ لم تكن تقتصر على قراءة القرآن والأذان . فكانت تذاع منها التوجيهات الدينية . بعض الإعلانات المهمة مثل الإعلان عن قدوم شهر رمضان وعيد الفطر المبارك . كان يذاع نبا الخسوف أو الكسوف والدعوة إلى إقامة صلاة الآيات وأمور أخرى مهمة وكذلك الجوامع والمساجد هي الأخرى كنا نستمع من خلال مآذنها لمثل هذه الأمور بالإضافة إلى المناداة على من فقد أو من عثر عليه من المفقودين من الأطفال أو ما يشابه ذلك . وكم كنا نستمع إلى دعاء الاستغاثة وطلب الفرج بدعاء يا قريب الفجر المشهور إذ كان حين يحدث أن تتعسر ولادة امرأة معينة يطلب من مؤذن المسجد أن يرفع الأذان حتى وإن لم يحن موعده وأوانه وينادي بأعلى صوته : ( يا قريب الفرج ) وبذلك يشرك الناس بالدعاء لتسهل ولادة هذه المرأة المتعسرة وكان يحدث ذلك فورا ويستجاب الدعاء .خصوصا حين يجتمع المؤمنون ويوحدون أصواتهم بالدعاء وكانت ثمة مقولة لدى البعض : ( دعاء غريب لغريب )
إذن كانت مئذنة الصحن الحسيني الشريف وسيلة إعلامية مهمة ويُلتقط منها كل ما يذاع التقاطا تاما ودقيقا لأنها تمثل الصدق والإخلاص دون أن يعتري ما يذاع منها أي شائبة لأنها تنطلق من أقدس واشرف موطن .
لذا كان المؤذن في الروضة الحسينية المقدسة أول من يرحب بقدوم الشهر المبارك وذلك قبل يوم أو يومين أو ثلاثة أيام أحيانا : مثلما يودعه في الليالي الأخيرة .وربما سوف أتحدث عن المؤذنين وأسمائهم لاحقا .
إذ نستمع إلى صوت مؤذن الروضة الحسينية المقدسة وهو يرتفع من المئذنة ينادي بعد أذان المغرب مباشرة أو بعد الصلاة بوقت معين وهو يقول :
مرحبا بك يا شهر رمضان * مرحبا بك يا شهر الطاعة الغفران ..
إلى اللقاء مع الجزء الرابع
أقرأ ايضاً
- عودة في الذاكرة.. ماذا فعلنا بعد الديكتاتورية؟
- "خُوارٌ جديدٌ".. برامجُ إلْحاديّة بطرقٍ فنيّة !! - الجزء الثالث والاخير
- الحوكمة والعين الثالثة للدولة