إن كانت عصابات داعش الإرهابية التي اجتاحت أرضي العراق وسورية في عام 2014 كالجراد الأصفر قد ارتكبت من الانتهاكات بحق شعبي البلدين ما لا يعد ولا يحصى فإن أفضع ما اقترفته بحق الإنسانية جمعاء كان انتهاك كرامة المرأة، وتجسد ذلك باستيلاء زمرها على نساء المناطق المُحتلة من قبلهم من معتنقات الديانة الإيزيدية بفعل تجردوا به من الضمير والدين والانسانية، مخالفين عبره جميع الشرائع السماوية والارضية.
لم يكن يخطر حتى في مخيلة المدعو (محمد رشيد سحاب مصلح) المُكنّى داعشياً بـ(أبو همام الشرعي) أن يأتي اليوم الذي يقف فيه بقفص العدالة العراقية أمام ضحيته (أشواق) في مشهد سوريالي بدا لمن شاهده بأنه تتويج للعدالة الإلهية التي وعد بها الله خلقه.
بمواجهة القاضي يقف (محمد رشيد) في قفص العدالة بعين لاتكاد ترمق ضحيته (أشواق) التي انطلق لسانها لتدلي لمن حضر جلسة المحكمة شهادتها التاريخية بحق جلادها قبل أن يكون سابيها.
في قاعة محكمة استئناف الكرخ الاتحادية طلب القاضي من (أشواق) الإدلاء بإفادتها لتصف الذكرى الأليمة التي عصفت بكيانها قائلة:
كنت أعيش في كنف أسرتي حياة رغيدة، قرية سنوني الهادئة في قضاء سنجار حيث مسكننا فيها ومدرستي المتوسطة التي أتلقى فيها تعليمي، كنت في فترة العطلة الصيفية أعمل مع شقيقي الأكبر في محل (الصالون النسائي) الذي يمتلكه حتى حلت علينا غمامة داعش الصفراء التي نسفت كل شيء، حيث كان عمري حينها 14 عاماً فقط.
ففي صبيحة يوم الثالث من شهر آب من عام 2014 استيقظ أهالي قريتنا وهم محاطون بالمئات من آليات تحمل مسلحين بعتادهم الثقيل، بعد أن ترجلوا وانتشروا في المنطقة طمأنوا الأهالي بعدم مسهم بسوء شريطة أن تُرفع الرايات البيضاء فوق سطوح المنازل.
لكن ما أن حلت الظهيرة واكتملت صفوفهم أعلنوا جهاراً بأن على أهالي القرية إشهار إسلامهم والا فمصيرهم القتل، مانحين لتهديدهم هذا مهلة تنتهي حتى الساعة الخامسة من مساء اليوم ذاته.
الوقوع في أسر الدواعش
على اثر ذلك جمعنا والدي مقرراً الهروب من المدينة باتجاه الجبال، كان عدد أفراد الاسرة مجتمعين أكثر من سبعين فرداً من اخوتي واخواتي وابناء وبنات عمومتي وأخوالي حيث تجمعنا على عجالة واضعين خطة للهرب، فكان أن استقل أخي الاكبر مع اسرته السيارة ليتقدم الموكب.
بعد ان اقتفينا اثاره بسياراتنا احاطتنا عجلات الدواعش من كل جانب مدركين وقوعنا بأسرهم.
بكلمات يشوبها الأسى بدت (أشواق) وكأنها تستعيد ذكرىً أليمة، فاستجمعت قواها من جديد لتقول للقاضي:
وقعنا في أسرهم .. كان أول ما قاموا به هو عزل النساء عن الرجال. كنت في الرابعة عشرة من عمري حينها، وبعد العزل مع الفتيات اللواتي بسني ومن بينهم شقيقتي الصغيرة اقتادنا الدواعش بعجلاتهم الى معسكرات في منطقتي (كوجو وتلعفر) بعد ذلك اخذونا الى سوريا وهناك فرقونا عن بعض، حيث قاموا بعزل الفتيات الصغيرات غير المتزوجات اللواتي تتعدى أعمارهن التاسعة عن ذويهن "وكنت إحداهن" ليأخذونا الى الموصل.
كنا أكثر من ثلاثمئة فتاة، وبعد أن وصلنا الى الموصل تهافت علينا عناصر التنظيم ليقوموا بتقاسمنا في مشهد بدا لي وكأننا سلع رخيصة تتهافتها أيدي المتبضعين في السوق.
رغم حالتي المأساوية كنت أحرص على عدم مفارقة أختي الصغيرة التي لم يتبق من أسرتي معي غيرها لكن بالوقت ذاته ذهلت للاثمان البخسة التي تسارع الدواعش لشرائنا بها وكان اعلاها (مئة دولار) وأرخصها (علبة سجائر).
أصبحت من حصة (أبو همام) الذي شدني من شعري واقتادني لغرفة ممارساً عملية الاغتصاب بحقي التي ما كنت أدركها جراء صغر سني حينها، اذا وضعت أسيرة في منزله "المُغتصب" من اسرة ايزيدية، كان يعتدي علي جنسيا بمعدل ثلاث مرات يوميا ثم يمارس الضرب الجسدي بحقي لاكثر من مرة باليوم.
ومن الممارسات التي اثارت اشمئزازي هي اجباره لي بتضميد جرح غائر في ظهره، الأمر الذي كان يشكل عندي عبئاً اضافيا على ما أتعرض له منه.
لم أكن بالمنزل لوحدي فقد كن معي عدد من الفتيات الايزيديات اللواتي سباهن ثلة أخرى من افراد التنظيم لكنهم لقوا حتفهم على ايدي القوات العراقية ليصبحن ودائع عند أبو همام.
الهروب الى الحرية
سبعة وسبعون يوماً أمضيتها مع الاخريات كن أسيرات فيها عند هذا الوحش المتجرد من الروح الانسانية، لكن في أحد الأيام التي مضت علي بذات الوقع من الإرهاب والقسوة تمكنت من الحصول على هاتفه الشخصي لاتصل على الفور بشقيقي الذي شرحت له حالتي وما مررت به متفقة واياه على ايجاد وسيلة للهروب.
كان أهم ما اتفقنا عليه هو تنويم الارهابي ومن يكون معه بالمنزل ليتسنى لنا الخلاص من قبضته، ارشدني الى نوع معين من المنوم، فافتعلت اصابة طالبت على اثرها من (ابو همام) علاجي في المستشفى.
وهناك افهمت احدى المعالجات بنوعية الدواء الذي أطلبه متذرعة بالأرق الذي يلازمني منذ السبي لتزودني به.
في ليلة الثاني والعشرين من تشرين الأول 2014 قمت بإعداد الطعام له ولرفاقه الدواعش المتواجدين بالمنزل حيث دسست المنوم بكميات كبيرة في الطعام.
وبعد ان اطمأننت مع الفتيات على سريان المنوم في اجساد المجرمين هربت في منتصف تلك الليلة تحت سماء ممطرة سالكين طريقاً وعراً تلفه المخاطر، سرنا لسبع ساعات دون انقطاع بمناطق جبل سنجار لنسلم أنفسنا الى أقرب نقطة للجيش العراقي الذي نقلنا عبر طيرانه الى ذوينا في محافظة دهوك.
في اواخر العام ذاته تقدمت بدعوى قضائية ضده وباسمه الصريح لتتحقق العدالة الالهية وحكمة القضاء العراقي بوجودي في هذا اليوم حرّة طليقة أشهد للعالم قسوة جلادي الحبيس أمامي في قفص الاتهام.
في قفص العدالة
بدا محمد رشيد سحاب مصلح (ابو همام الشرعي) شارد الذهن يائس الحركة وهو يستمع بإصغاء من قفصه لشهادة (أشواق). ثم تحدث قائلا:
انني من مواليد 1984، كنت قد قضيت في السجن عدة أعوام جراء جريمة جنائية ارتكبتها مع شقيقي وابن خالي تمثلت بقتل شخص من أهالي قضاء هيت في محافظة الأنبار.
تنقلت من سجن الى آخر حتى استقر بي الحال الى سجن بادوش الذي فيه منحت عهداً لـ(أبو حمزة) بالانتماء لداعش بعد ان تلقيت دروساً شرعية على يد (ابو معاذ).
هربت من السجن من جملة من هربوا منه بعد اجتياح داعش للموصل. ثم بايعت داعش وانتقلت الى البعاج التي فيها اسندت إلي مناصب شرعية سادها الطابع التحريضي على القتال.
اجتياح سنجار واقتسام نسائها
اجتاحت داعش سنجار والمناطق المحيطة بها من ثلاثة محاور. كنت أحد الزمر الغازية للمنطقة، أثناء الاجتياح اصبت بطلقة قناص إيزيدي وقف مدافعاً عن منطقته، اخليت على اثر الاصابة الى مستشفى نينوى لتلقي العلاج وبعدها انتقلت الى البعاج لتلقي علاجي ثم نقلت الى قرية الرمبوسي.
بعد ان تشافيت هناك دخلت الى المضافة (احد منازل الايزيدية) في منطقة (الرمبوسي) حيث تم اهدائي السبية (اشواق) عبر القرعة كمكافأة لي على مشاركتي بالغزوة واصابتي بها.
أعترف بأنني نكلّت بأشواق ومارست بحقها الاغتصاب والتعذيب، وقد استخدمتها رغم صغر سنها كممرضة لتضميد جراحي رغم أنها كانت تشعر بالهلع مما عرضتها له وهي بهذا السن الصغير.
وفي يوم 23 تشرين الأول من عام 2014 وبعد إفاقتي من نومي مع رفاقي اكتشفت أن اشواق والسبيات الأخريات اللواتي كن في منزلي قد لذن بالفرار.
بعد هروب اشواق مني عملت في الانبار شرعيا ثم تنقلت الى عدة مناطق فيها حتى تحريرها كليا على يد القوات العراقية في عام 2017 لافر الى سوريا واقيم بولاية البركة.
لكنني عدت الى العراق متسللاً عبر حدوده من الباغوز السورية مرة اخرى وكان يرافقني الارهابي (ابو جراح) حيث وقعنا في قبضة القوات العراقية بعد ان اعدت لنا كميناً محكماً نجحت عبره بالإيقاع بنا. اصبت مع ابو جراح جراء اطلاق النار وتم اسعافنا لنقع في قبضة العدالة.
وحكمت المحكمة على الارهابي بالاعدام شنقاً حتى الموت وفقا لأحكام المادة الرابعة /2 من قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005
بغداد/ علي البدراوي
أقرأ ايضاً
- يجريها فريق طبي عالمي مكون من (24) متخصص.. قلب الطفل "ايمن" من كركوك يعالج في مستشفى زين العابدين الجراحي
- اسكنوا اعداد اضافية وقدموا خدمات :اصحاب فناق سوريون يثمنون مبادرات العتبة الحسينية ويتعاونون معها
- توجيه للسوداني قد يجد لها حلا :مناطق البستنة في كربلاء يعجز الجميع عن بناء مدارس لابنائها الطلبة فيها