- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التقرير الحزبي السري .بين القِدَم والمعاصرة
بقلم:حسن كاظم الفتال
لعل من أوضح الواضحات أو المشاعات هي حقيقة مفادها أن معظم النفوس تعاني بدواخلها صراعا كبيرا خفيا بين الشهوات والرغبات والنزاعات من ناحية وبين العقل من ناحية أخرى ولو حدث واتحد العقل مع الرغبات أو أذابها لظهر التباين والإختلاف بين الخير والشر وبين ما هو نافع وما هو ضار
لم تدون البشاعة يوما صورة أبشع من إنسان تقدح نفسه شرا وخبثا وغاية مبتغاه إثارة المشاكل لتحقيق أهداف دنيوية وما تلك إلا نفس حيوانية خبيثة شريرة
هذه البشاعة تمثلت بها طغمة البعث الجائرة التي حكمت العراق حقبة من الزمن الداكنة صورته. وهذه الطغمة قد استخلصت واختزلت في منظومتها السياسية وآيدلوجيتها كل عناوين وعناصر وأبعاد ومظاهر وحقيقة العنف الدكتاتوري والبطش والإرهاب وما يتشظى من هذه العناوين من شرر
ولعل بعضا من سر ديمومة بقائها في السلطة لمدة أطول هو ارتباطاتها السرية الخفية بالمنظمات الدولية أو الدوائر التي كثيرا ما تمسك بزمام أمور الآخرين وترسم خرائط طريق وتحدد وتدير استراتيجيات الحكومات المستبدة. وهي التي قدمت لها أقوى عناصر المساندة والتأييد لتحقيق مآربها.
ورغم أن تلك الطغمة كانت تؤطر استراتيجيتها بشعارات وطنية براقة زائفة ما أنزل الله بها من سلطان لتصورها بأنها سلطة وطنية مستقلة. لكن المبدأ المعلن غير ما تخفي الحقيقة وما كان القصد من ذلك إلا لمحو آثار ملامح الجهوية وارتباطها بتلك الدوائر والمنظمات الدولية. هكذا كان الأمر وقد أعانتها تلك الدوائر والمنظمات كثيرا على الإستمرار بالبطش والبقاء في الحكم لمدة أطول.
ولعل الأمر الأهم والذي كان أكثر إعانة لها هو ورود التقارير الحزبية السرية الشخصية التي كان ينظمها معظم عناصر الحزب توشي بالأفراد وتطيح بمن يُراد به الإطاحة.
ومما لا يخفى على أحد أن البعثيين قد تميزوا وبرعوا كثيرا بتنظيم وكتابة التقارير السرية الخبيثة.
ومما تجدر له الإشارة أنه قبل قدوم سلطة البعث كانت ثمة دائرة أمنية يسمى موظفوها الشرطة السرية إنما معظم من كان ينتمي لتلك الوظيفة مكشوف الهوية لدى الناس وبعض كبار السن لا زالوا يحفظون بعض الأسماء ويتذكرون الشخصيات.وربما كان ما هو مكشوف في عملهم أكثر مما هو سري.
وبعد قدوم سلطة البعث يبدو أنها ألغيت لتستبدل بدوائر عدة أشد قسوة وبطشا وجورا.
وقد دأبت السلطة على تنشئة جيل حزبي مدرب تدريبا تاما على تنظيم التقارير الحزبية الكيدية.
وكم من تقرير وبكلمات أو سطور قليلة أدت إلى أن يُلف حبل المشنقة على رقاب بريئة دون تمييز بين فرد وآخر وبين جنس وآخر وبين طفل أو إمرأة أو شيخ أو عجوز.
وتطبعت أيدلوجية الحزب وإستراتيجيته تمام التطبع على اعتماد بالغ لتلك التقارير الحزبية السرية الخبيثة بل كانت تعدها سبيلا من سبل تقرير مصير السلطة ووسيلة من وسائل الحفاظ على ديمومة مسيرتها ومبدأً من مبادئ تحقيق مآرب وأهداف وأغراض كثيرة في مقدمتها تصفية الخصوم والقضاء على المعارضين أو الرافضين للظلم وإبعاد كل من تعتقده يمثل حجر عثرة في طريق المسيرة الشاذة لتصبح الساحة خالية تمام الخلو من أي رافضٍ أو معارضٍ للسياسة بإقصاء الكثير من النخب من حملة الفكر وأقطاب السياسة. حتى تأقلم أو تأدلج الجميع وذاب في هذه الآيدلوجية المنحرفة فكريا ومنهجيا وأصبح من لم ينتمِ للحزب لابد له أن يعاني من الإضطهاد
ومما لا يشك به أحد أن جل التقارير كانت تحمل في طياتها الكثير من المعلومات الكيدية الخاطئة ولعل بعض المسؤولين يعلم بذلك
إنما اعتمدتها السلطة وشجعت بل حثت كثيرا على التعاطي معها وأصبحت ديدن الخبثاء وقد لعبت التقارير السرية الشخصية الخبيثة دورا مهما في تقرير مصائر إناس مغلوبين على أمرهم وأوصلت الكثيرين إلى حبل المشنقة فضلا عن ملء السجون بالأبرياء
مما أدى أن يعيش العراق والعراقيون مرحلة استثنائية تخلو ساحته السياسية تمام الخلو من أي تنظيم أو من أي وضع ديمقراطي
والمقصود بكتابة التقارير هو الوشاية من شخص بشخص آخر. ولعل ذلك نابع من ضغوط نفسية أو استفراغ للحقد والضغينة والحسد وقلما نجد أن صاحب نشاط سياسي أو فكري معين قد نجا من كتابة تقرير حزبي
وربما شكل كتّاب التقارير السرية صمام أمان لأصحاب القرار ومدوهم بمدة أطول للبقاء على رأس السلطة
لعل الكثير منا قد عانى من هذه التقارير
كُتب عني أكثر من تقرير حزبي كيدي كان أخر ما كُنِب عام 1991. وصرت أعاني من عواقبه حتى عام 2003
وولت سلطة البعث ولاحت إيماءات في أفق التأملات تلَوِّح ببشرى مغادرة الضحاكين السريين لمجتمعنا المتمدن وسقطت الأقنعة.
ولكن. وما أمّرَ من لكن هذه.فوجئنا بأن الروح الشريرة لا يمكن أن تخمد جذوتَها معالمُ الحضارة ولا التعايش مع المنصفين من أصحاب المبادئ ولا يوقف نموها التوجهُ أو الجهوية أو الإنتماء إلى المجتمع المتحضر المتمدن إنما هي نفس قاسية أشبعها الشر بالقسوة. وانتزع منها الرحمة وأعمى بصيرة أصحابها الحقد والضغينة وحسدٌ لأصحاب المواهب والمهارات. فليس لها إلا أن تعتلي أكتافاً وتركل آخرين.
وكم أجهدت الكثير منا كتابة التقارير السرية الكيدية وكم شلت من المواهب والمهارات.وجعلت أصحابها مقعدين مكبلين بهاجس قطع الأرزاق ولا حول لهم ولا قوة لهم فاسأل به خبيرا
أقرأ ايضاً
- الاب ..بين حال وحال
- فقرات مهمة وخطيرة في التقرير الأخير للبنك الدولي بشأن التنمية والمناخ في العراق
- الوثائق البريطانية السرية وخبث عرضها