- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الدولةُ وأشباحَها وأطرافها الثالثة
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
تقومُ الكثيرُ من الدول بإتّخاذِ قرارات، وتشريع قوانين، ذات آثار سياسية واقتصادية وإجتماعية واضحة ومعلومة، وتتحمَّلُ مسؤوليّتها كاملةً غير منقوصة، وتدفعُ كُلفتها (عَدّاً ونقداً)، وعلى الفور.
يخرجُ المواطنون المُعارضونَ لذلك إلى الشارع، ويُعبّرون عن احتجاجهم على قرارتِ دولهم، أو حكوماتهم، (بطريقتهم الخاصّة).. لأنّ هذه القرارات توجِعُهُم، وتوجِعِهُم بعُمق، ودون رحمة (أو هكذا يظنّون).
للدولة أسبابها في إتّخاذها قرارتَ كهذه.. وللمواطنينَ اسبابهم في الإحتجاجِ عليها أيضاً.
تقومُ هذه الدول بـ "ضرب" مواطنيها المتظاهرين، أو ردعهم (مع اختلاف درجة الشِدّة في استخدام وسائل العنف المملوكة لها حصراً)، ولكن ليس قبل أن تكونَ قد أفصَحَتْ، و أجابتْ بوضوح عن السؤال الرئيس: لماذا فعلتْ هذا بالضبط، ولماذا كانت مُصِرّةً على تنفيذه.
وعندما تُبالِغُ الدول في ردود فعلها على "حقّ التظاهر المكفول دستوريّاً"، فإنّها تُبرّر أفعالها عادةً بسوء استخدام المتظاهرين لهذا الحقّ، ولا تتنصّل أبداً عن تحمّل مسؤوليّاتها كاملةً،عن تعويلها المُبالغُ به على "المُعالجة البوليسيّة لردود الفعل".
وهكذا فهي لا تُلقي مسؤوليّة أفعالها السياسية والإقتصاديّة، ولا تبعات ردود فعلها القمعيّة على "طَرَفٍ ثالث".. وعلى "الأشباح".
الدول الراسخة، والرصينة، هي تلك التي تحتكرُ القوّة، والسلاح، وسُلطة القمع.. وهي التي تحتكرُ أيضاً "حقّ" التعسُفْ في استخدام سلطتها على الجميع، وتقولُ بوضوح أنّها هي من تفعل ذلك.. وليسَ "الأشباح".
الدولُ الرصينةُ، والراسخة، و"القويّةُ"، والناجحة، تفعلُ ذلك لسببٍ بسيط، وبديهي، ومنطقي.. وهو أنّها حين تدّعي أنّها قد خوّلَتْ حقوقها وواجباتها، وسُلطاتها القمعيّة للأشباح، فإنها ليست دولةً أبداً. هي.. لا شيء.
رفعتْ بعضُ الدول الدعم عن المحروقات، وعن السلع الأساسية (ومنها رغيف الخبز)، وأُخرى قامتْ بتخفيض قيمة عملتها، وغيرها قامت بإصلاح قوانين التقاعد، أو بتشريع قانون يقضي بتسليم "المُجرمين" لدول اخرى.. وأوضحتْ اسباب ذلك، وأفصَحَت.. وخرج المواطنون إلى الشارع.. وتظاهَروا.. وأنتَفَضوا.. و "ثاروا".. ورمَتْ عليهم الدول "الرقيقة" قنابل الغاز، ورشّتهم بالأصباغ والماء الساخن، وجعلتهم يبدون (وهم مٌبلّلين) كأقواس قزحٍ تتقافزُ في الساحات.. بينما قامت الدول "الخشنة" بقمعهم بقسوة، وبقتلهم احياناً، وبتغييبهم.. وفي كُلّ ذلك، لا الدول "الخشنة"، ولا الدول "الناعمة" ألقَتْ بمسؤولية أفعالها هذه على "طرفٍ ثالث".. ولا على "الأشباح".
"المُحرّضون" في الدول الرصينة والراسخة والقويّة والناجحة، هم المواطنون "المُتضَرّرون" من القرارات الحكوميّة، أو من المُعترضين عليها، أو من المُعارضينَ لنمط إدارة الدولة للموارد والحُكم.. وهُم أيضاً النقابات المهنيّة، ومنظمّات المجتمع المدني.. وليسَ"الطرف الثالث".. وليس "الأشباح".
في الدول "الفاشلة" يكونُ المُحرّضُ الرئيس على العنف، هو الفقر، والجوع، وكلّ انواع الحرمانِ البشريّ، مُضافاً إليها التهميش، والظُلم، والفوضى، وأنعدام العدالة، وغياب الإنصاف.. وليس الأشباح.
يُقاسُ نجاح الدول بقدرتها على الدفاع عن المصالح الوطنيّة العُليا، وباستخدام احتكارها للعنف، لتعزيز هذه القدرة، وايضاً بقدرتها، التي لا خلافَ عليها، في فرضِ إرادتها على الجميع.
عدا ذلك.. لاتوجدُ دولة.
عدا دولة الحقّ والقانون.. لاتوجد دولة.
عدا دولة ضامنة لكرامة مواطنيها، وحريصةً عليها.. لا توجد دولة.
وعدا ذلكَ سيبقى المُواطنونَ الغاضبونَ – الموجوعونَ- المُحبَطونَ في الشارع.
وهؤلاءِ على استعدادٍ للبقاء هناكَ إلى الأبد.
ذلكَ أنّهم في نهاية المطاف، لن يخسروا شيئاً غير "كوابيسهم" المُستدامة.. بفعلِ الأشباح.
تلكَ "الأشباح" التي تُمارسُ سلطتها الرديئة عليهم، وتجعلُ من دولتهم "دولةً" مذعورة ومُرتبكة وفاشلة، لا تستطيعُ أنْ تُقدّمَ لهم شيئاً.. لأنّها دولةُ "أشباح".