- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المرجعية العليا ومؤامرة وجود المجاميع المسلحة !
بقلم: نجاح بيعي
ما بين أولى مناشدات المرجعية الدينية العليا للسلطات بعد عام 2003م بإتخاذ إجراءات سريعة لسحب الأسلحة غير المرخصة ووضع حدّ للجماعات غير المنضبطة خشية أن تقع مشاكل خطيرة مستقبلا ً(1), وبين مطلبها الأخير في 13/12/2019م الذي أكدت فيه على: (ضرورة أن يخضع السلاح ـ كل السلاح ـ لسلطة الدولة وعدم السماح بوجود أي مجموعة مسلحة خارج نطاقها تحت أي إسم أو عنوان) أكثر من ستة عشرة عاما ً.
سنين طوال من المكابدات الموجعة التي عانتها المرجعية العليا جراء تكرار مطالباتها ومناشداتها للحكومة وللقوى السياسية المُمسكة بالسلطة, ولم تلق وللآن آذانا ً صاغية من الجميع. والنتيجة كانت كما تنبأت بها المرجعية العليا هي وقوع الجميع في المشاكل الخطيرة. بل تفاقم الوضع من سيء الى أسوء مع مرور الأيام خصوصا ً وأن تلك (المجاميع) أصبح لها اليوم (أسماء) و(عناوين) بعد إن كانت خفيّة ومستترة, وهذا ما ألمحت إليه المرجعية العليا في بيانها (..عدم السماح بوجود أي مجموعة مسلحة خارج نطاقها تحت أي إسم أو عنوان) حتى بات خطرها يُهدد ثانية الأمن والإستقرار والسلم الأهلي خاصة في البلد.
ـ هل هي مؤامرة ؟
ـ قبل الإجابة على تلك التساؤلات علينا أن نتعرف على التصنيف الذي جادت به المرجعية العليا للمجاميع الخارجة عن القانون التي تستحل الدماء ـ لتسهيل معرفة المطلب وهي كالآتي:
1ـ إرهابيين: يستهدفون المدنيين الأبرياء بالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة وغيرها.
2ـ عصابات إجرامية وجماعات غير منضبطة: تقوم بالخطف والسلب والقتل تستهدف المواطنين والمقيمين وتخل بالأمن والإستقرار في البلد.
3ـ مصادمات عشائرية: تشهدها بعض المحافظات بين الحين والآخر مما تذهب ضحيتها أرواح الكثير من الأبرياء.
4ـ يُضاف اليها بعض عمليات الإختطاف لأهداف سياسية.(2).
ـ نعم أنها موامرة.
وأول من اكتوى بنارها هو السيد المرجع الأعلى وباقي شرائح المجتمع إبتداء ً بعد سقوط الديكتاتورية واحتلال العراق من قبل القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. ففي عام 2003م وبعد الإنفلات الأمني قال سماحته في إحدى إجاباته: (ظهرت مجموعات مسلحة من الأشرار والمفسدين ووقعت حوادث مؤسفة، ولايزال الأمن غير مضمون في المدينة وهناك مخاطر تهدد حياة المراجع ولا سيما سماحة السيد)(3). وتوالت بعدها المآسي تترى والذاكرة العراقية لا تزال تحتفظ بجميع صور مآسيها وإجرامها ودمويتها. ومن صورها النزاع المُسلح الذي وقع في كربلاء عام 2003م. ومثله في النجف الأشرف. أو أحداث الإعتداءات على حرميّ الإمام الحسين (ع) وأخيه أبا الفضل العباس (ع) خلال الزيارة الشعبانية عام 2007م. أو الهجوم الذي شنه عشرات المسلحين على سجن (أبو غريب) و (التاجي) عام 2013م وفرار أكثر من (500) إرهابي على مرأى ومسمع السلطات. أو إختطاف عدد من الصيادين (العرب) عام 2015م. أو إقتحام منزل رئيس ديوان (الوقف الشيعي)في تموز 201م ووووغيرها..
فكان ما كان مما لست أذكره ـ ـ ـ فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
ولم يخفى على أحد اليوم بأن أطراف تلك المؤامرة تتكون من جهات داخلية وخارجية مع تواطئ حكومي ينطلق دائما ً من بيت الداء ـ الطبقة السياسية. حتى عاودت تلك المجاميع نشاطها في الآونة الأخيرة مع اشتداد الحراك الشعبي في التظاهرات السلمية المطالبة بالحقوق المشروعة المسلوبة, وما كان من المرجعية العليا إلا أن تضع إصبعها على الجرح وتفضحهم مرة أخرى بقولها: (إنّ هناك أطرافا ً وجهاتٍ داخليّة وخارجيّة كان لها في العقود الماضية دورٌ بارز في ما أصاب العراق من أذىً بالغ، وتعرّض له العراقيّون من قمعٍ وتنكيل، وهي قد تسعى اليوم لاستغلال الحركة الاحتجاجيّة الجارية لتحقيق بعض أهدافها..)(4).
فإثارة الفوضى من خلال أعمال العنف الدموي, وضرب الأمن والإستقرار ولا سيما السلم الأهلي, وتقويض الدولة ومؤسساتها وسلب قرارها السياسي والأمني والعسكري, بهدف إرجاع العراق وشعبه الى عصر الديكتاتورية الذي ولى بلا رجعة, أوتنفيذا ً لأجندات إقليمية ودولية مؤطرة بصراع إرادات وبسط نفوذ فيما بينها.
وقد نبهت المرجعية العليا إلى ذلك منذ عام 2004م من خلال إجابتها على سؤال: (مَن وراء عمليات القتل والتخريب التي يذهب ضحيتها الأبرياء من العراقيين؟) فكان الجواب: ـ(لا يتوفر لدينا معلومات دقيقة عمن يقومون بأعمال العنف التي تستهدف العراقيين من مدنيين ورجال شرطة وجيش وغيرهم، ولكن من المؤكد أن هؤلاء لا يريدون الأمن والاستقرار لهذا البلد..والإضرار بمصلحة الشعب العراقي، ومن المهم جداً تضافر الجهود على ضبط الحدود والتحكم بالوافدين إلى العراق وإلتزام دول الجوار وغيرها عدم التدخل في الشؤون الداخلية العراقية بأيّ شكل من الأشكال)(5).
وعدم توفر المعلومة الدقيقة هنا لا ينفي عدم امتلاكها لها, وهي البصيرة بدقائق مجريات مجمل الأحداث على الساحة, وبالرغم من ذلك فأن المرجعية العليا لم تكشف عن الأسماء لأسباب عديدة منها:
1ـ كونها غير (معنيّة) بإسماء الجهات والأطراف (الداخلية والخارجية) المتآمرة على العراق, بقدر ما هي (معنيّة) بإفشال تلك المؤامرات والتصدي لها ودرء أخطارها.
2ـ أنها ليست جهة رسمية أو سياسية أو حزبية وما إلى ذلك, فضلا ً من انها ليست طرفا ً في صراع سياسي أو حزبي أو إجتماعي أو فكري أو غيرذلك على مستوى الداخل والخارج.
3ـ كون مقامها السامي الديني ـ الإرشادي والوعظي والأخلاقي كـ(مرجعية للأمة) وثقلها الإجتماعي الكبير تتنزه من أن تنزل الى مستوى أساليب وألاعيب ودهاء المتآمرين.
4ـ حرصها البالغ على مستقبل العراق أرضا ً وشعبا ً ومقدسات ومن أن تهرق قطرة دم واحدة.
5ـ منهجها السلمي القويم الذي أرست دعائمه وصار عنوان (العصر) في تعاملها مع جميع الأحداث والقضايا المصيرية ومع أشدها عنفا ً و دموية.
ومن أصداء إفشالها للمخططات التآمرية إصرارها على يكون التصدي للإحتلال الأجنبي بالطرق السلمية. وثباتها على أن يُكتب الدستور بأيدي عراقية وطنية. وعلى أن يكون هناك نظام سياسي تعددي (ديمقراطي) تتداول السلطة فيه عبر صناديق الإقتراع بإنتخابات حرة ونزيهة. والعمل على أن لا يكون هناك جيش آخر أو مواز ٍ للجيش العراقي الوطني(6).
وأن لا يسمح بحال من الأحوال بوجود ميليشيات مسلحة خارج الدولة والقانون.(7).
ونزع فتيل الحرب الطائفية التي وصلت أوجها بتفجير مرقد (العسكريين) عليهم السلام بسامراء. وتوج الأمر بصدور فتوى الدفاع المُقدسة ضد عصابات داعش.
واليوم تؤكد على ضرورة أن تكون التظاهرات المطلبية سلمية خالية من العنف. ويأتي حرصها هذا من خشيتها أن ينزلق البلد الى الفوضى والخراب بحيث (يفسح ذلك المجال لمزيد من التدخل الخارجي، ويصبح ساحة لتصفية الحسابات بين بعض القوى الدولية والاقليمية، ويحدث له ما لا يحمد عقباه..)(8).
فبسلمية التظاهرات تفويت الفرصة على المتآمرين بتنفيذ مخطاطتهم التآمرية ضد العراق وشعبه. ومن هذا أعلنت صرختها بـ(طرد المخربين) من بين صفوف المتظاهرين السلميين في يوم 29/11/2019م, بعد أن كشروا عن أنيابهم وعاثوا في الأرض فسادا ً, واعتبرتهم أدوات داخلية لأعداء في الخارج: (إنّ الأعداء وأدواتهم يخططون لتحقيق أهدافهم الخبيثة من نشر الفوضى والخراب والانجرار الى الاقتتال الداخلي ومن ثَمّ إعادة البلد الى عصر الدكتاتورية المقيتة..)(9).
فخضوع السلاح لسلطة الدولة وعدم السماح بوجود أي مجموعة مسلحة خارج نطاقها تحت أي اسم أو عنوان, ضرورة ورهن بإستقرار العراق, ويجب أن تكون نتيجة للحركة الإصلاحية الجارية.(10).
ـــــــــــــــــــ
ـ(1) وثيقة رقم (40) ووثيقة رقم (41) من كتاب (النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني دام ظله في المسألة العراقية) إعداد (حامد الخفاف) بيروت ـ لبنان الطبعة السادسة.
ـ(2) خطبة جمعة كربلاء في 25/ 12/ 2015م.
ـ(3) وثيقة رقم (2) من كتاب (النصوص الصادرة..).
ـ(4) بيان المرجعية العليا في 8/11/2019م.
ـ(5) وثيقة رقم (53) من كتاب (النصوص الصادرة..).
ـ(6) وثيقة رقم (24) من كتاب (النصوص الصادرة..).
ـ(7) وثيقة رقم (36) من كتاب (النصوص الصادرة..).
ـ(8) بيان المرجعية العليا في جمعة 25/10/2019م.
ـ(9) بيان المرجعية العليا في جمعة 29/11/2019م.
ـ(10) بيان المرجعية العليا في جمعة13/12/2019م.
أقرأ ايضاً
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- القنوات المضللة!!