- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
حين يتم التَصَيِّدُ في تعكر المغفلين
بقلم: حسن كاظم الفتال
لعل معظم الذاكرات تختزن صورا واضحة الملامح لأناس تقمصهم التلون والتصقت بهم المراءات على مدى التأريخ بل برع بعضهم وبتفوق بخاصية المداهنة أو الاستعداد التام لإظهار خلاف المكنون وتغيير المواقف وفق ما ينسجم مع الحاجة أو بمقتضى الظرف أو المصلحة الخاصة وليس غريبا إن قلنا أن بعضهم تمرس على التلون أو نمت فيه تلك الظاهرة نموا تاما أو ربما تمازجت مع شخصيته تمازج (الدبس بالراشي) مما يتعذر الفصل بينهما فمكنتهم من أن يختزلوا بها كل وسائل العيش بمنأى عن كل خطر أو ضرر.
ناهيك عن وجود صنف من الأفراد امتزج الإفراط والمبالغة بذاته ليتقمصها في التعاطي مع الأمور أو الوقائع ويذوب عقله الباطن في المجاملات والمجارات والمسايرات والمساومات مسورا ومغلفاً النفاق بأغطية ذرائعية مجسدا بها تلونه فتجده على الدوام يفكك العبارات أو الأحاديث وينسجها بالتحريف ويشبعها زيادة أو نقصانا أي يحرف الكلم ولكن بتفنن وبحرفية بالغة.ولعل ذلك يتم من أجل إلفات نظر الآخرين إلى ما يصبو إليه
ولا يفارق الأذهان تواجد صور أخرى شتى رسمها صنف آخر ممن تمرسوا على التلون والمداهنة والنفاق السلوكي أو التظاهري أو الإجتماعي أي التصنع وبالتظاهر علنا بغير ما يخفي سرا.اتخذوا من كل ذلك وسيلة تمويه تحقق لهم العيش والتعايش في كل زمان ومكان وهذا عين الخديعة والغش والمواراة.
ولعل هذا الصنف حمل صفة الإنتهازي أو الوصولي.
والإنتهازيون أو الوصوليون يتمتعون بخاصية الدهاء والمكر والحذاقة. لذا يسهل عليهم تسخير السذج المغفلين وتوظيفهم كأدوات لصناعة المآرب أو تحقيق المصالح الشخصية في كل مجالات الحياة.
وثبت بالبرهان والأدلة القاطعة أن أدهى المآرب يتم تنفيذها بواسطة السذج البسطاء أو المغفلين وكم استخدموا كببغاوات تردد ما يُملى عليها من عبارات ومقولات دون أن يمحصوا بها أو يتحققوا من مصداقيتها أو صحتها أو عدمها.
أتخطر حادثة في خمسينات القرن الماضي حين ألقي القبض على مجاميع من القادة الشيوعيين في التظاهرات وزجوا في المعتقلات وهم مستمرون بالهتافات ضد السلطة أمرت السلطة حراس السجن من الشرطة أن يعاكسوا كل هتاف أو شعار يهتف به الشيوعيون فأمروهم كلما هتفوا (يسقط) يجب أن يقابله من الحراس (يعيش) والعكس بالعكس.
فكان الشيوعيون يهتفون بحماس وحرارة (يسقط نور السعيد النذل) يجيب الحراس (يعيش نور السعيد النذل) يهتف المعتقلون (تعيش طليعة الحزب الشيوعي البطل) يجيب الحراس (تسقط طليعة الحزب الشيوعي البطل)
وهذا يذكرنا بما حدث في الحرب العراقية الإيرانية حيث كان الإعلام العراقي يرسخ بعض الشعارات في أذهان الناس ومنها ما كان يلقب قائد الثورة الإيرانية الإمام الخميني بلقب (الخميني الدجال) وقد أخذ هذا اللقب أكثر شيوعا في الأوساط العسكرية من الأوساط الأخرى وكثيرا ما يردد الجميع: (يسقط خميني الدجال) وحينما احتدم القتال وتم اسر مجموعة معينة من الجنود العراقيين فمن أجل درء الخطر عن أنفسهم وإعلان السلام وبيان أنهم مسالمون عُزَل وتصورا منهم إنهم سيضمنون السلامة فيستفزون المشاعر واستدرار عطف من تمكن من أسرهم نادى الأسرى العراقيون (يعيش خميني الدجال).
ومثل هؤلاء البسطاء كان ثمة من يحتمي خلفهم ليحقق ما يصبو تحقيقه.
لذا نجد أن قسما من هؤلاء من أجل أن يقوض فاعلية العقلية الناضجة يذهب إلى عملية دغدغة مشاعر العقل الجمعي مستغلا فيض العاطفة والعفوية في النفوس البريئة ليتسنى له ترسيخ بعض المعاني أو الشعارات أو حتى المفاهيم في الأذهان أو العقول مستخفا ببعضها لتتلقى الأمور بتلقائية على عواهنها دون التحقق من صوابها وخطئها.
يُستثنى من هذا المجرى أصحاب العقول المتفتحة المستنيرة أو الذهنية الحادة أو أصحاب البصيرة فيتعذر عليه تمرير ما يرمي تمريره عليها. فكلما كان العقل ملتهبا بالنضوج ومسددا بسلامة الفطرة كلما كان الوعي هو الفيصل أو هو السائق إلى تقبل الفكرة السليمة النافعة ونبذ السيئة الضارة
أقرأ ايضاً
- حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه" !!
- حين تُستودع مصائر الكبار لدى أمزجة الصغار !
- أيّها السياسون هل اكتفيتم أم ستطلبون المزيد ؟!