- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
نظرة عامة حول مطالب المتظاهرين
بقلم: حسين فرحان
بعد ستة عشر عاما من زوال النظام البعثي الجاثم على صدر عراقنا الحبيب وبعد انبثاق عدة حكومات مؤقتة وانتقالية، وأخرى منتخبة وفق دستور سعت المرجعية الدينية العليا إلى أن يكتب بأياد عراقية، خاض العراقيون معترك التجربة الديمقراطية التي لم يشهد مثيلها أسلافهم طيلة عقود طويلة، اعتادوا فيها على نمط من الحكم تفرضه عليهم الدول الغربية أو تفرضه عليهم مطامع الحركات السياسية التي دأبت على العمل بالمنهج الانقلابي وتكريس السلطة بيد الأنقلابيين وتنتظر دورها بانقلاب آخر يقضي عليها لتكون الصولة التي بعدها دولة.
الأرث العراقي في قضية الحكم مايزال يؤمن بطريقة التغيير هذه.. المجتمع العربي مايزال يرغب بأن تسير الأمور بهذا الشكل، الغرب كذلك لايروق له تجربة ناضجة أسست أركانها المرجعية العليا، لتضع أقدام هذا الشعب على السكة الصحيحة التي تسير عليها سائر الشعوب المتحضرة وهي تعول على تنامي وعي المجتمع بمرور السنوات وتعاقب الحكومات ولم تر سواه منهجا صالحا لتدوال سلمي للسلطة يتناسب وطبيعة المجتمع العراقي وتركيبته وتعدديته واختلاف انتماءاته فذكرت في إحدى خطب الجمعة في ١٧ شعبان ١٤٣٩ بيان عدة أمور.
لقد سعت المرجعية الدينية منذ سقوط النظام الاستبدادي السابق في ان يحلّ مكانه نظامٌ يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع الى صناديق الاقتراع، في انتخابات دورية حرّة ونزيهة، وذلك ايماناً منها بانه لا بديل عن سلوك هذا المسار في حكم البلد إن اريد له مستقبل ينعم فيه الشعب بالحرية والكرامة ويحظى بالتقدم والازدهار، ويحافظ فيه على قيمه الاصيلة ومصالحه العليا.
ومن هنا أصرّت المرجعية الدينية على سلطة الاحتلال ومنظمة الامم المتحدة بالإسراع في اجراء الانتخابات العامة لإتاحة الفرصة امام العراقيين لتقرير مستقبلهم بأنفسهم، من خلال اختيار ممثليهم المخوَّلين بكتابة الدستور الدائم وتعيين اعضاء الحكومة العراقية.
واليوم وبعد مرور خمسة عشر عاماً على ذلك التاريخ لا تزال المرجعية الدينية عند رأيها من ان سلوك هذا المسار يُشكّل ـ من حيث المبدأ ـ الخيار الصحيح والمناسب لحاضر البلد ومستقبله، وانه لا بد من تفادي الوقوع في مهالك الحكم الفردي والنظام الاستبدادي تحت أي ذريعة او عنوان.
ويعد هذا القول من الثوابت لدى مرجعيتنا العليا، وحتى المطالب الإصلاحية التي تطالب بها اليوم تراها تدور ضمن هذا المحور ولا تتعداه إلى مطالب تنطلق من الفكر الفوضوي أو الانقلابي الذي يجر البلاد إلى ما تحمد عقباه.
المرجعية العليا تؤمن بأن الشعب هو صاحب القرار في تغيير نظامه او أصلاح شؤونه أو تقويم مسار العمل الحكومي وأكدت على أنها مع (المطالب المشروعة) ودعت إلى السلمية في أساليب وطرق الاحتجاج وإن تطورت.
انطلقت التظاهرات في محافظات محددة وبتوقيت موحد مع اختفاء تنسيقياتها وتعدد مطالبها وكل يدعي بها وصلا.. قطع طرق رئيسية.. مواجهات دامية.. مع مطالب غير موحدة أدخلت المحللين في دوامة التكهنات..
فما الذي حرك الشارع بهذا النحو ؟ ومن الذي حركه ؟
- النقمة من سوء الأوضاع نتيجة تراكم ملفات الفساد وسوء الأداء الحكومي ؟
- جهات استغلت هذه النقمة فسعت إلى أن تعبر على أكتاف المتظاهرين لغرض تحقيق مآربها ؟
- صراعات النفوذ والسلطة على المستوى الداخلي والخارجي ؟
قد تكون المحركات كثيرة فهي بين محرك أساس ومحركات دخلت على الخط بشكل تدريجي.
في وسط هذا الحراك تعددت المطالب التي تنطلق من حاجات تلبي طموح المتبني لها وقد تلبي حاجات الجماهير وقد لاتلبيها وربما أضمرت لها ما لا يتناسب وتطلعاتها.
وفي خضم هذه الأحداث التي عبرت عنها المرجعية العليا ب (المحنة الراهنة) ينبغي الالتفات إلى أن هنالك سبق في قضية طرح المطالب وأولويات لطرحها بحسب الضرورة فبعضها مقدمات لتحقق البعض الآخر، لذلك كان تأكيد المرجعية الدينية العليا وفي موارد عدة على ضرورة إعادة النظر في قانون الانتخابات الذي صوت عليه البرلمان وجعل من الواقع السياسي بيئة مناسبة لتكريس ديكتاتورية حزبية مقيتة لاسبيل للخلاص منها إلا بتغيير هذا القانون المجحف وهو من المطالب المهمة التي ينبغي للجمهور الواعي أن يلتفت إليها ويعطيها الأولوية في طرحها لتكون مقدمة مهمة من مقدمات التغيير وتضاف إليه سائر المطالب المهمة الأخرى التي دعت إليها المرجعية العليا، أما أن تترك الأمور في هذا المشهد الذي تختلف فيه الصور بين انفعالات تفرضها لحظة التواجد في أماكن التظاهر مع اختلاف ثقافات المتظاهرين وأعمارهم فتتجه نحو العنف تارة ونحو الهدوء تارة أخرى ويتخللها الصراخ والفرح والبكاء والرقص والامتعاض واليأس والأمل والالتزام والتحلل والفوضى والتخريب والاعمار والنظافة والاهمال في مسرح كبير لاستعراض التناقضات.. فهذا لن يحقق شيئا خصوصا مع وجود جهات أعدت عدتها للانقضاض.
التركيز على قوة المطلب وفاعليته ضمن أطر سلمية بأعلى مستويات الحيطة والحذر من تدخلات من حذرت المرجعية منهم بقولها " "ليس لأي شخص أو مجموعة أو جهة بتوجه معين أو أي طرف إقليمي أو دولي أن يصادر إرادة العراقيين أو يفرض رأيه عليهم".
فالمطالب الأصلاحية التي ترفع في تظاهرات اليوم من قبل فئات متعددة لم يسبق المرجعية بها أحد، كل مافي الأمر أن الآذان صمت عنها في ما مضى من قبل الحاكم والمحكوم.. فاطلقت اليوم بألفاظ متعددة من قبل جهات عدة وهي لاتخلو من ألغام قد تنسف المشروع الأصلاحي.