- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مهمة التبليغ تكليف أم توظيف ؟.. الجزء الثاني
حسن كاظم الفتال
وبعد أن تم التسليم إلى حقيقة أن التبليغ رسالة إنسانية قيمية عظيمة وتعاطيها يسدل ستار الجهل عن المجتمعات الموجه لها الخطاب التبليغي فهو مصداق من مصاديق النصح والإرشاد وهذا ما منحه الحق لأن يتصدر مُدْرجات الوصايا والأوامر التي احتواها باطن دستور ديننا الحنيف الداعي في منهجيته إلى تقويم سلوكيات الإنسان وصناعة النفس المبدعة وتنميتها وطرد الخمول عنها وتنشيطها وإظهار مكنوناتها وسوقها نحو عالم الإبداع وانتقالها من متدنيات مهاوي الجهل ومرديات الشك إلى ذرى العلو والرفعة والتزود بالعلم والمعرفة وبلوغ اليقين.
ثمة رأيٌ ينحاز إلى قاعدة أن الإنسان قادرٌ على شق طريقه بسلام وأمان بمفرده وبالإعتماد على ذاته إنما الراي الآخر يقول:غالبا ما نجد أن الإنسان بأمس الحاجة لمرشد أو مبلغ.
وفي الوقت ذاته إن ضمان نجاح مهمة التبليغ يستلزم اعتماد مرتكزات وعوامل تسهل وتيسر المهمة وتُعْين المبلغ على بلوغ ما يصبو إليه من مراد ومقاصد خيرة شريفة وإيصالها بيسر وسلاسة. ويتحتم على المبلغ أن يتوفر على عناصر وملكات يؤدي من خلالها مهمته على أتم وجه من أوجه النجاح.
وليس مهمة المبلغ سهلة أبدا إنما تنتابها أبعاد من المتاعب والمصاعب فينبغي على المبلغ الذي يقصد الإصلاح أن يتأهل لها ويتحمل أبعادها وآثارها وإنعكاساتها. وأن يتسم المبلغ فضلا عن العلمية بالحكمة والحصافة والترويض على الصبر والتصبر وعليه أن يجد طرقا ووسائل تيسر له الوصول لما يبتغي.
لقد اعتقد بعضنا أن التبليغ هو وظيفة رجل الدين أو بالأحرى وظيفة طالب الحوزة الدينية العليمة.
إنما بالحقيقة لم تكن مهمة التبليغ بمنحصرة أو مقتصرة على فئة معينة أو تتطلب هيئة معينة للمبلغ إلا فيما ندر
إنما التبليغ مسؤوليّة عامّة، تجب على كلّ مسلم ولا اختصاص لها بطائفة دون أخرى
والتبليغ كذلك هو من أبرز مبادئ النصيحة كنصيحة المؤمن لأخيه المؤمن وإعانته على تقويم سلوكه حين يتطلب ذلك
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من يضمن لي خمسا أضمن له الجنة، قيل: وما هي يا رسول الله. ؟
قال صلى الله عليه وآله: النصيحة لله عز وجل، والنصيحة لرسوله صلى الله عليه وآله، والنصيحة لكتاب الله، والنصيحة لدين الله والنصيحة لجماعة المسلمين)
وللإصلاح إنعطافة كبرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن ثبوت اقتران مسألة التبليغ بالنصيحة وتداخلها بمفهوم الإصلاح يدعونا للتوقف تحت إشعاع نقطة ضوء باهرة والتأمل كثيرا فنقول: وهل الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم إلا هو ابرز وأعظم واصلب المصلحين والناصحين والمبلغين بالرسالة المحمدية الإنسانية الداعية لإصلاح البشرية جمعاء بلحاظ منطوق الآية الكريمة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ؟
نعم هو صلوات الله عليه مصلح البشرية جمعاء
وأول الناصحين والمبلغين والمؤسس بدمه السائح في طف كربلاء المقدسة أكبر وأعظم وأزهى مدرسة تبليغية إنطلق منها إشعاع التبليغ ليضيء إصقاع الأرض.
فلا ريب حين نتخذ من مدرسته نقطة شروع ننطلق منها نحو ميدان التبليغ والإرشاد والوعظ والنصيحة
ومما لا يرقى له الشك أن المتغيرات سادت وتوغلت بانتشارها وراحت تسابق الزمن. وجريان التطور أكتسح فيضُه كلَّ معالم الحياة وغمر العالم من أقصاه إلى أقصاه. فلابد أن تأخذ عملية التبليغ هي الأخرى حصة من معالم التطور وتؤدي دورها على أفضل وجه وهذا ما حدا لأن تلتحق هي الأخرى بركب العلم الحديث وأعددناها أداة تغييرية نافعة طيعة مهمة من أدوات الإعلام الإصلاحية.
فإن مبادئ ومفاهيم النهضة الحسينية المباركة وكل جنباتها ومفاصلها وفيوضاتها هي مصدر إعلامي مما أدى أن ترتبط عملية التبليغ الإسلامي الشيعي بنهضته المقدسة بل تصدرتها
وبما أنها تتساوق مع متغيرات مجريات الأمور فمن الطبيعي أن تتحول مهمة التبليغ في هذا الزمن إلى أوسع واسطة إعلامية.
وإيلاء الإهتمام والعناية التامة بمحورية هذه المهمة ييسر لنا ممارسة المسؤولية الملقاة على عاتقنا كمبلغين لتوضيح وإيصال أعظم وأبرز المعاني والمبادئ والأبعاد والمعطيات التي انطوت عليها القضية الحسينية إلى الناس وترسيخها في الأذهان.
إذاً هي من أشرف المهام.
لعل أول تجلت المهمة التبليغية الإعلامية في ممارسة السيدة زينب عليها السلام لها بمشاركتها النهضة الحسينية المباركة ومواقفها الصلبة تلك التي قرنت مسالة التبليغ بالثقافة العاشورائية العظيمة.
وهي التي كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تماثل شخصية الإمام الحسين صلوات الله عليه وتكون شطراً منه من حيث الإنصهار والإنسياب والإنغمار والإندماج روحيا وذاتيا وحسياً وتفاعليا مع روح وذات وجوهر كيان سيد الشهداء الإمام الحسين صلوات الله عليه لتكون له توأماً لوجوده فيوحى لها ما يوحى اليه.
لذا فإن المهمة التي تبنتها ومارستها السيدة زينب صلوات الله عليها كانت نابعة من ذات الحسين صلوات الله عليه
لقد دُوِّنت في مصحف الطف الحسيني والنهضة الحسينية العظيمة سورٌ تنطوي على آيات محكمات بينات متشابهات رتلتها السيد زينب سلام الله عليها وأعلنت تأويلها بإتقان تام فسمعها الجن والإنس والملائكة
وللحديث تتمة
حسن كاظم الفتال
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة