- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل من مصلحة العراق إخراج أمريكا؟ ولماذا؟
بقلم: علي فضل الله الزبيدي
يبدو أن حروب الإرهاب عبر المجاميع التكفيرية، قد شارفت على الإنتهاء، على إن الحروب بمعناها العام سوف تبقى قائمة، حيث بقى الإنسان على أرض المعمورة، فتلك المجاميع الهجينة الشاذة، أخذت تهدد الأمن والسلم المجتمعي الدولي، وليس من حصانة لأي نظام سياسي أمام فتك تلك المجاميع القاتلة، كما إن ذلك يعني أفول حروب الوكالة، والقوة الدولية المتصارعة التي أسهمت بإنتاج تلك المجاميع الإرهابية، كانت غاياتها إستغلال تلك العصابات التكفيرية، من أجل إجهاض أنظمة سياسية، أو إعادة رسم الخارطة الجيو سياسية، لكنها أدركت إنتهاء مفعول تلك الأداة القذرة على الأقل على المستوى القريب، لكننا أمام توازنات جديدة إقليمية ودولية في منطقة الشرق الأوسط.
والعراق وسط تلك التجاذبات، يعتبر من أكثر الدول تضررا من هذه الحروب الإرهابية، حيث تحول لمنطقة صراع بين قوى دولية وإقليمية، من أجل الهيمنة والنفوذ والاستحواذ، على بقعة العراق الماسية، لما يشكل هذا البلد من أهمية جيو سياسية وإستراتيجية وإقتصادية، وعمق حضاري كبير يمتد لعمق التأريخ، فكان التدافع على العراق كبير جدا، من قبل المحيط العربي والإقليمي والدولي، ساهم في ذلك ضعف الطبقة السياسية العراقية التي كانت سببا رئيسيا، لتكون ممثلة لأجندات خارجية، فبدل أن تكون تلك الطبقة مجتهدة من أجل تحقيق المصالح الوطنية، تفانت من أجل تحقيق مراد إرادات الخارج، لكن وجود مرجعية السيد السيستاني وارتفاع مستوى الوعي العام للشارع العراقي، قلبت المعادلة فأنتصر هذا الثنائي ليقتل داعش وفوبياه، ويرغم الطبقة السياسية على تصحيح مسارها السياسي إلى حد ما.
وبإنتهاء أزمة داعش وتهديدها لكيان العراق بل لكل المنطقة والعالم، برزت أزمة جديدة ما تسمى بالتواجد الأمريكي على الأراضي العراقية، أدت لإنقسام الطبقة السياسية ما بين مرحب ورافض لهذا التواجد الأمريكي، وللأسف المرحب والرافض من الساسة الغالب منهم، لا يضع مصلحة العراق في أولوياته، بل ما تريد الأجندات الخارجية فتحركها بالسلب والإيجاب أمام هذا التواجد، وهنا أقول إن واجب الطبقة السياسية، أن تعي أين تكون مصلحة العراق؟ وهنا يبرز تساؤل آخر، ما هي مصلحة العراق؟ ومصلحة العراق تكمن في تحقيق هذين المرتكزين:
1ـ إن حياة الفرد العراقي أغلى من تراب الوطن.. فوطن من غير بشر مصون كرامته يتحول إلى سجن مقفر.
2ـ تحقيق الرفاهية المجتمعية والعلمية والإقتصادية للفرد العراقي، وعلو سلطة القانون عبر قضاء عادل.
لذلك نحتاج إلى شعور وليس شعارات للمرحلة القادمة، لتحقيق المصلحة الوطنية التي تقوم على تحقيق المرتكزين السابقين، فهل إخراج القوات الأمريكية يحقق لنا ذلك؟ هذا وإن كان هذا الأمر من الصعب تحقيقه عبر البرلمان الحالي، فهناك مكونات سياسية كبيرة ومؤثرة ترفض إخراج القوات الأمريكية، من باب الإذعان والولاء وليس من باب العقلنة، ونقول (فرض المحال ليس بمحال) بحسب أهل المنطق، ونفرض جدلا إننا استطعنا إخراج القوات الأمريكية من العراق، ما هو المتوقع من ردة فعل الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهذا ليس من باب تهويل القوة الأمريكية، بقدر ما هو (حساب المحتمل وإستشراف النتائج).
العراق الان كالمريض في غرفة الإنعاش، الذي يعيش على الماكنات والأجهزة الطبية، متى ما رفعت عنه توصيلات تلك الأجهزة فأنه سيفارق الحياة، فالعراق الدولة التي بلا دولة، يعتاش على النفط، وليست لديه زراعة ولا صناعة، والفساد المالي والإداري مستشر بكل مفاصل الدولة وليست الحكومة فقط، بالإضافة إن عموم أرصدة العراق في الخارج هي تحت الحماية الأمريكية، ومحاط بدول تدين بالولاء المطلق للولايات المتحدة الأمريكية، ومؤتمر وارسو الأخير خير دليل، يستثنى من ذلك تركيا المتذبذبة التوجه، وإيران التي ترزح تحت حصار خانق، تفرضه عليها أمريكا وحلفاؤها في المنطقة، وقد يكون العراق وتركيا النافذة التي يستنشق الاقتصاد الايراني منهما الأوكسجين. فهل لنا القدرة أن نصمد أمام ردة الفعل الأمريكة التي توعدت العراق بالندم، في حال قرر العراق إخراجها من أراضيه.
هنا استحضر مقولة الجنرال كلاوزفتش حول الصراع غير المتكافئ: "إستخدام أحد طرفي الصراع للقوة دون ندم ودون أن يأبه لسفك الدماء ليحجم الطرف الآخر، فستكون اليد العليا للأول الذي سينجح بإجبار الطرف الآخر على التحرك في المحيط الذي رسمه له، ويصبح وضعه أي الطرف الثاني الضعيف أشبه بالشلل التام ويتحول لمجرد تابع"، على الساسة ان يعوا هذه الأستراتيجية، فعموم الساسة الأمريكان، خصوصا المحافظون الجدد، يذهبون إلى مبدأ أنه في حال تعارض ما يسمى بالقيم الأمريكية (حقوق الإنسان، الحرية، المساواة... الخ) مع تحقيق المصالح الأمريكية، فأنهم ما معناه سيرمون تلك القيم خلف ظهورهم، عليه ستعلن أمريكا الحرب على العراق، ولكنها ليست حربا عسكرية، بل من المحتل أن تستخدم الإستراتيجية التقنية والتي تلغي خاصية الزمان والجغرافية، وكذلك إستراتيجية الإقتصاد الخانق، لتجعل تكاليف الانتهاك أكبر من كلفة الخضوع.
فهل العراق بهذه الفوضى السياسية يستطيع ان يواجه هذا الجبروت الأمريكي؟ تذكروا يا ساسة العراق حصار عام 1991، وماذا حصد العراق وشعبه غير الويلات والتفكك المجتمعي والانحلال القيمي، رغم أن العراق كان يملك صناعة وزراعة، ومنظومة حكومية منضبطة لحد ما، رغم إنها خاضعة لسلطة نظام دكتاتوري وقتها، فكيف بنا الان ونحن نعتاش على المستورد بكل مفاصل الحياة، حتى مياه الأنهار خاضعة لهذه الإرادة الموجهة، إذن نحتاج للتعقل والروية والنظرة الواقعية، والجلوس للتفاوض من أجل تحجيم الوجود الأمريكي، عبر البوابة السياسية المتزنة والمتوازنة، فأمريكا تريد إحتكار السوق العراقية عبر شركاتها، وما الضير في ذلك مقابل تحقيق كرامة الفرد العراقي ليس بالشعارات البالونية، بل عبر مكاسب سياسية وإقتصادية وجيوإسترتيجية، فحياة الفرد عند الله أقدس من الوطن، إن كنتم تؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر، علما عبر البوابة السياسية يملك العراق الان نقاط قوة كثيرة، لا تتوفر في المواجهة العسكرية، لو وضبت بصورة مدروسة فسيكون للعراق شأن آخر في المنطقة والعالم.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- هل ماتت العروبه لديهم !!!