- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لماذا ألغت الأردن اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا ووقعتها مع عبد المهدي؟
بقلم: صائب خليل
خلال بحثي في الاتفاقية التي تمت بين الاردن والعراق، اكتشفت خبراً مثيرا للاهتمام يقول: "تجميد اتفاقية التجارة الحرة بين الأردن وتركيا!".
لماذا تعقد الأردن معنا اتفاقيات تجارة حرة (الاتفاقية الإطارية) وتجمد ثم تلغي اتفاقيات أخرى من نفس النوع؟ إن سبب الإلغاء يكشف لنا حقائق مهمة جداً ويضع أمامنا تقييماً واضحاً لاتفاقية عبد المهدي مع الأردن، فلنقرأ ما جاء في الخبر.
تعليقاً على غضب التجار والمستوردين المتضررين من الرسوم الجمركية ورفع كلفة الاستيراد، انتقد وزير التخطيط الأردني السابق، طاهر كنعان، الغاء الاتفاقية مع تركيا فقط، مشيراً إلى ضرورة "تطبيق الحماية على جميع اتفاقيات التجارة الحرة، بما فيها اتفاقية التجارة العربية الحرة، وليس فقط ضد تركيا". مؤكداً على ضرورة دراسة كل “اتفاقيات التجارة الحرة من زاوية حماية الصناعة الأردنية حماية محقة تستند إلى أسباب اقتصادية".
وقال إنه رغم الحاجة إلى "توقيع اتفاقيات تجارة حرة مع دول كبرى"، فـ "إن لم تعالج مصادر غياب التكافؤ تصبح اتفاقيات التجارة الحرة كلها ظالمة وجائرة للبلد الأضعف اقتصاديا وصناعيا".، مؤكداً ان هذا المقياس ينطبق حتى على الاتفاقيات التجارية مع الدول العربية، ومنوهاً إلى اتفاقيات التجارة مع السعودية المدعومة بالنفط الرخيص.
وقال: "من حيث المبدأ أنا مع تحرير التجارة ولكن بدون ظلم البلد المتخلف صناعيا"
لافتا إلى أن الصناعة في بلد نام تحتاج إلى حماية وأفضل أنواع الحماية هي الدخول في اتحاد جمركي مع دول متشابهة في النمو الاقتصادي.
وفي خبر لاحق، أبلغت الحكومة الأردنية الجانب التركي رسمياً في نهاية مايس الماضي، برغبتها في إنهاء العمل باتفاقية الشراكة لإقامة منطقة تجارة حرة بينهما، وانتهى سريان هذه الاتفاقية في اليوم الأول للشهر السابع. وبين وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني السابق، يعرب القضاة، أن الاتفاقية كانت لها تأثيرات سلبية على الصناعة الوطنية جراء المنافسة غير المتكافئة، من البضائع التركية التي تحظى بدعم من الحكومة التركية مما أفقد المنتج الأردني القدرة على المنافسة في السوق المحلي لهذه البضائع.
وحين جرت "مفاوضات بين تركيا والأردن لإحياء التجارة الحرة"، كان الحديث عن شروط مختلفة، فقال وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني طارق الحموري إن الأردن متمسك بإلغاء الاتفاقية السابقة وضرورة التفاوض على اتفاقية جديدة لأن اتفاقية الشراكة الأردنية التركية، لم تحقق النتائج المرجوة منها، بل أسهمت في ارتفاع عجز الميزان التجاري لصالح الجانب التركي.
إذن، نفهم من هذا كله، أن اتفاقيات التجارة ليست بالضرورة من مصلحة طرفي الاتفاقية، وانها ليست مسألة تطبيل سياسي عن "المنجزات"، إنما العامل الحاسم في الأمر هو ما يتوقع من تأثير تلك الاتفاقية على الميزان التجاري من جهة، وأهم من ذلك، على الصناعة والزراعة المحلية والبطالة في البلد من الناحية الثانية.
توازن الميزان التجاري، أي ان يصدر البلد الأول للثاني ما يقارب تصدير الثاني للأول، الذي تحدث عنه وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني طارق الحموري، ضروري، لأن البلد يتوقع ان يربح من تصدير بضاعته إلى البلد الثاني، فما هو موقف العراق في هذه النقطة؟
الحقيقة هي أن العراق وفي ظل الظروف الاقتصادية التدميرية التي فرضت عليه بفتح اسواقه، لم يعد لديه صناعة يمكن ان يصدرها. السلعة التي يصدرها العراق الى الأردن هي النفط الخام، وهذه، بفضل الاتفاقات الجائرة كالعادة مع هذا البلد، تعود على العراق بالخسارة وليس الربح!
ماذا عن تأثير الاتفاقية على الصناعة العراقية؟ لندع اهل الصناعة يتحدثون: رئيس اتحاد الصناعات العراقي علي صبيح، قال بوضوح ان "مسألة إعفاء البضائع الأردنية من الرسوم الجمركية كارثة جديدة من خلال إعفاء 399 مادة"، متسائلاً "كيف سيكون هناك دعم للمنتج الوطني وفي المقابل هناك إعفاء للبضائع المستوردة؟".
ويتساءل صبيح بالقول: "هل من المنطق ان تقوم الدولة بتوقيع اتفاقية مع دولة اخرى من دون اخذ رأي القطاع الخاص الصناعي؟"، مضيفاً أن الاتفاقية ستصيب بالضرر نحو 4 ملايين و500 الف شخص يعيلهم من يعمل في 50 الف مشروع في القطاع الخاص الصناعي، عدا المشتغلين بشكل غير مباشر كالناقلين والسائقين وعمال التحميل وغيرهم.
وفي مقابلة تلفزيونية له قال رئيس اتحاد الصناعات إن الاعفاء الكمركي سيكون له فائدة للأردن فقط، ووصف الاتفاقية بـ "أن اتفاقية عبد المهدي مع الاردن تمثل اعداماً للصناعة العراقية.
هذه إذن النتائج الكارثية المتوقعة من اتفاقية هذه "العقلية الاقتصادية" كما يسمي عادل عبد المهدي مؤيدوه. ولنتذكر هنا، أن هذا كلام صناعيي القطاع الخاص، ويمكننا ان نتخيل الضرر الأكبر على صناعة القطاع العام، والذي لم يخف عادل عبد المهدي عداءه له في نظرته الاقتصادية بشكل عام.
انظروا مثلا إلى الضرر الذي سيصيب البصرة وموانئها وارتفاع بطالتها. حيث قال النائب البزوني في مؤتمر صحفي ان القرار سيوقف عمل جميع موانئ البصرة وسيزيد من حجم البطالة في المدينة لكون العديد من الشركات او التجار ستتجه الى منفذ طريبيل.
السؤال – أو الحسرة التي لا بد ان مرت ببالكم: لماذا يحسب الأردنيون تأثير الاتفاقيات على بلادهم وصناعتهم وأيديهم العاملة، وتوقع هذه الحكومة العراقية الاتفاقات دون أي دراسة او حسابات؟ أين الشرفاء في الحكومة ومجلس النواب؟ أين الاقتصاديون العراقيون؟ أين الإعلام العراقي؟ أين النقابات؟ أين ما يسمى الشيوعيون؟ أين الشعب؟