حسن النواب
لا أمتلكُ معلومةً دقيقةً عن عدد المثقفين والأدباء والفنانين الذين أقدموا على الترشيح إلى حقيبة وزارة الثقافة عن طريق الموقع الإلكتروني؛ والذي اقترحهُ رئيس الوزراء عادل عبد المهدي؛ لكن من المؤكد أنَّ عددهم فاق المئات، وبعضهم من الأصدقاء المقربين لي شخصيَّاً، وقد تركتهم بأحلامهم وطموحاتهم؛ ولم أشأ تعكير صفو تطلعاتهم وإخبارهم بأنَّ هذا الموقع الإلكتروني الذي تكالب عليه الآلاف من الطامحين بالحقائب الوزارية، لم يكن سوى زوبعة في فنجان، وتجميل سياسي مُبكّر لشخص رئيس الوزراء، والبرهان أنَّ قائمة الوزراء التي تقدَّم بها عبد المهدي إلى مجلس النواب، قد خلتْ تماماً من أي مرشح عن طريق الموقع الإلكتروني، بل إنَّ أسماء الوزراء المقترَحين جاءت بناءً على توافقات سياسية؛ وقد كُتبَ لبعضها النجاح بتسنّم الوزارات، وأخفقتْ باقي الأسماء بطريقة دراماتيكية، ومنها الأخ الكريم حسن الربيعي الذي رشُّح إلى حقيبة وزارة الثقافة؛ إذْ كان نبأ نشر اسمه على الفضائيات قبل عقد جلسة مجلس النوّاب، قد شكَّلَ صدمة عنيفة للوسط الثقافي بأكمله؛ فلا أحدٌ سمع باسمه من قبل مع احترامنا لشخصه الكريم، وحين طالعنا سيرته الذاتية، استوقفتنا معلومة تقول إنَّهُ أنجز 61 بحثاً!؟ ولا نعلم بماذا تخصَّصتْ تلك البحوث، وهل لها علاقة بالأدب والفن والثقافة؟ غير أنَّ الذي أجمع عليه جميع المثقفين، إنَّ الرجل يفتقر إلى التجربة الثقافية والأدبية ويجهل أحوال الوسط الثقافي والفني والصحفي وأفراده، وإذا كان ترشيح الربيعي لحقيبة الثقافة قد أذهل الوسط الثقافي، فإنَّ من العدالة أن نقول ومتى تبوّأ حقيبة وزارة الثقافة على مدى أربعين عاماً، مَنْ كان مؤهلا لها، فالماضي يذكّرنا بزمن الطاغية، إذْ لم يتسنّم حقيبة الثقافة من كان جديراً بها، وبعد سقوط الصنم لم نجد من يستحقها أيضاً؛ إلاّ اللهم الأخ مفيد الجزائري، وفرياد راوندوزي إلى حدٍّ ما، ولذا ليس عجباً أنْ يأتي عبد المهدي بشخصٍ لا تربطه بالأدب والفن أية صلة، وكل ما يتَّصفُ به أنه كان مع التيار الصدري، ثم انقلب إلى عصائب أهل الحق، وهذا يعني إنَّ اختياره قد جاء بناء على توجّهات سياسية خالصة؛ وليس على أساس الكفاءة، ولولا احتجاج تحالف سائرون الصريح؛ لكان الأخ الربيعي يجلس على كرسي وزارة الثقافة الآن. وحتى لا يقع الفأس بالرأس، ننتظر مبادرة جادة لا تهاون فيها؛ من نقابة الصحفيين والفنانين واتحاد الأدباء خاصة؛ مسنودة بالآلاف من أعضاء هذه المنظمات الهامة؛ على إيصال صوتها الواثق إلى الأخ رئيس الوزراء بضرورة ترشيح من هو جدير بالأدب والفن والصحافة لتسنّم حقيبة وزارة الثقافة، وما أكثرهم في بلادنا، فالبلاد التي تفتقر إلى الفن والأدب والصحافة، تبقى بلا روح مهما كانت قوتها الاقتصادية والعسكرية، إذ بوسع الحكومة شراء وصناعة ما تحتاجه من معدّات عسكرية واقتصادية؛ ولكن ليس بمقدورها من صناعة أديب أو صحفي أو فنان واحد بكل ما تمتلك من ثروة البلاد، وأني لأعجب للنظرة الدونية والاستخفاف من قبل الأحزاب بحقيبة وزارة الثقافة، تلك الحقيبة التي جعلت من فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية في مقدَّمة الأمم حين تسنم حقيبتها الروائي الشهير أندريه مالرو؛ الذي عرض عليه صديقه الرئيس وزارة سيادية مهمة في حكومته.. لكنَّ مالرو رفضها واختار وزارة الثقافة قائلاً لديغول المندهش لهذا الاختيار: إنَّ عقل فرنسا أصبح بين يدي! هذا الإحساس الراقي بقيمة الثقافة، ودورها في صياغة عقل الأمة؛ هو الذي قاد مالرو إلى تطوير ملكات المواطن الفرنسي، وتحريره من آثار ثقافة الحرب، وإفرازاتها في العنف الفكري، والاحتقان الاجتماعي..؛ مما دفعه لبناء المجتمع والدولة، بسخاء في الصرف على البرامج الثقافية، انطلاقاً من القيم الوطنية، الموصولة بمبادئ الثورة الفرنسية، في الحرية الفردية، والمساواة الاجتماعية، والتواصل الإنساني. من هنا تحسس أندريه مالرو دوره التاريخي، في تأكيد هوية بلاده من خلال تجربتها الثقافية الباهرة، التي جعلت الناس في كل مكان في العالم يشيرون إلى الإبداع الفرنسي، بوصفه مصدراً من مصادر قوة فرنسا. لقد حان الوقت حتى نرى أديباً مبدعاً يتسنّم حقيبة وزارة الثقافة، وحين يصبح عقل العراق بين يديه، سيلمس الشعب العراقي برمته الازدهار والتطور الذي سترفل فيه البلاد خلال مدة وجيزة، أجل يا سيادة رئيس الوزراء جرّب أنْ تسمع رأينا لمرَّةٍ واحدةٍ فقط وستربح الرهان أمام الشعب والعالم.