RSS
2025-12-15 18:18:06

ابحث في الموقع

عن حريَّة التَّعبير وأَشياءَ أُخرى

عن حريَّة التَّعبير وأَشياءَ أُخرى
عن حريَّة التَّعبير وأَشياءَ أُخرى
بقلم: نزار حيدر

إِنَّ من أَتفهِ الأَسئلةِ وأَشدَّها غباوةً والتي تتكرَّر على مسامعِنا في الفضاءاتِ الخارجيَّةِ قَولُ الجاهِلِ؛ وما هي مصادِرُكَ؟!.

  هو يطلبُ من صاحبِ المعلومةِ أَن يكشِفَ عن مصادرِ معلوماتهِ [الخاصَّة تحديداً] على الهواءِ مُباشرةً!.

  وقبلَ ذلكَ دعونا نتحدَّث عن [٣] مفاهيم لنميِّز بينها فلا نخلطَها لأَنَّ في ذلكَ ضررٌ كبيرٌ على المُتلقِّي وظُلمٌ أَكبر يقعُ على المُتكلِّم [صاحِبُ المعلومةِ الخاصَّة والحصريَّة]؛

  والمفاهيمُ الثَّلاثة هيَ:

  - الخبرُ

  - التَّحليلُ

  - الرَّأيُ

  فالخبرُ هو الحادِثةُ أُو الواقِعةُ والذي لا يتحمَّلُ مسؤُوليَّهُ النَّاقل بأَيِّ شكلٍ من الأَشكالِ معَ افتراضِ الشَّهادةُ لهُ بـ [الأَمانةَ في النَّقلِ] وقديماً قيلَ [ناقِلُ الكُفرِ ليسَ بكافرٍ].

  وناقلُ الخبرِ لا يُناقشُ بالخبرِ أَبداً، فإِذا كانَ مُشاعاً فبِها أَمَّا إِذا كانَ خاصّاً وحصريّاً فالنَّاشرُ يتحمَّل مسؤُوليَّة النَّشر فقط [مِهنيّاً وأَخلاقيّاً] ولا يُسأَلُ عن مصدرهِ أَبداً، إِذ أَنَّ من حقِّهِ، في هذهِ الحالةِ، حمايةِ مصادرهِ الخاصَّة سواءً من المُلاحقةِ أَو لبناءِ الثِّقةِ لتستمِرَّ عمليَّة التَّغذية الخبريَّة.

  والتَّحليلُ كذلكَ والذي قد يُصيبُ وقد يُخطِئُ.

  يبقى الرَّأيُ فقط الذي يتحمَّل المُحلِّل أَو الخبير مسؤُوليَّتهُ بالكاملِ، فإِذا تبيَّنَ بمرورِ الوقت أَنَّهُ صحيحٌ ومُطابقٌ للواقعِ وأَنَّهُ يُصيبُ الهدَف في كُلِّ مرَّةٍ فذلكَ يمنحهُ اعتباراً جدِيداً ومُتراكِماً بمرورِ الوقتِ، حتَّى يصلَ إِلى مرحلةٍ يوصَفُ فيها بالخبيرِ أَو المُتخصِّص، أَمَّا إِذا تكرَّرَ الخَطأ ولَم يُصِب الهدف في أَغلبِ الأَحيانِ فبالتَّأكيد سيُنهي ذلكَ مصداقيَّة [الخبير والمُحلِّل] وعلى أَيِّ مُستوىً كان، أَمنيّاً أُو سياسيّاً أَو ماليّاً [إِقتصاديّاً] أَو ما أَشبهَ ذلكَ.

  ولتقريبِ الفكرةِ أَسوقُ المثَل التَّالي:

  الخبرُ؛ حادِثُ سَيرٍ في الطَّريقِ.

  التَّحليلُ؛ تتعدَّد أَسبابهُ ويختلِفُ الشُّهود والمصادِر في تحليلِ الخبرِ [وقوع الحادِث] والسَّببِ وعلى مَن تقع المسؤُليَّة وغيرِ ذلكَ.

  الرَّأيُ؛ ما سيكتبهُ شرطي المرُور [الخبير] في التَّقرير الذي سيرفعهُ للقضاءِ والذي سيعتمِدهُ القاضي عندما يترافع أَمامهُ طرفَي الخبَر [حادث السَّير] ورُبَّما لا يكتفي القاضي بالتَّقريرِ فيسمعُ منهُما أَو قد يستدعي شهُوداً وأَحياناً يدعُو إِلى تشكيلِ لجنةٍ من خُبراء شرِكات التَّأمين أَو تشكيلِ [لجنةٍ من المُحلَّفين] قبلَ البتِّ في القرارِ النِّهائي وتحديدِ المُقصِّر، إِذا كانَ الخبرُ مُؤلماً.  

  هذا النُّموذج ينطبِقُ على الأَخبار بكُلِّ أَشكالِها.

  ولذلكَ يلزم أَن نُميِّز بينَ هذهِ المفاهيم الثَّلاثة [الخَبر والتَّحليل والرَّأي] وإِلَّا فستختلِط عندنا الأُمور، فنسبُّ الذي ينقُل لنا خَبراً وهو لا علاقةَ لهُ بهِ، فهو لَم يصنعهُ ولم يشترِك فيهِ وإِنَّما هو ناقِلٌ لهُ فقط.

  ونسبُّ الذي يستعرِض التَّحليلات التي تنتشِر بشأنِ الخبر وهو لا علاقةَ لهُ بها، فهوَ هُنا يُمارس مِهنة التَّجميع والإِستعراض فقط.

  يبقى أَنَّهُ مسؤُولٌ فقط عن رأيهِ واستنتاجاتهِ الخاصَّة إِذا ما أَدلى بها أَمَّا إِذا اكتفى بنقلِ الخبرِ واستعراضِ الآراءِ والتَّحليلاتِ بمُختلفِ توجُّهاتِها ومصادرِها من دونِ أَن يستعرضَ رأيهِ، فهوَ بهذهِ الحالةِ لا يتحمَّل شيئاً من المسؤُوليَّةِ أَبداً.

  في ساحتِنا الإِعلاميَّةِ، وللأَسفِ الشَّديد، إِنتشرت ظاهِرة الفَوضى بشكلٍ لا يُصدَّق! خاصَّةً معَ اتِّساعِ ظاهرةِ [التَّبويقِ والذَّيليَّةِ] حتَّى باتت السَّاحة والرَّأي العام لا يُميِّز بينَ هذهِ المفاهِيم الثَّلاثة في عمليَّةِ خلطٍ مُتعمَّدة!.

  ومن مظاهرِ هذهِ الفَوضى:

  أ/ إِذا ثبُتَت صحَّة الخبَر الخاص والحَصري، فناقِلهُ عميلٌ مرتبِطٌ بالدَّولةِ العميقةِ وإِلَّا كيفَ تسنَّى لهُ الحصُولِ على الخبرِ دونَ الآخَرين؟!.

  أَمَّا إِذا لم تثبُت صحَّتهُ، فهو جاهِلٌ لا يفهمُ شيئاً!.

  ب/ تصدِّي مَن لا علاقةَ لهُ بالخبرِ الخاصِّ والحصري للتَّشكيكِ بهِ وتكذيبهِ رُبما لحمايةِ [ذيليَّتهِ] فقط وهي عادةً مدفُوعة الثَّمَن.

  فمِنَ المعرُوفِ أَنَّ الجهةَ المعنيَّة بالخبرِ أَو مُتحدِّثاً رسميّاً بإِسمِها، هي المسؤُولةَ عن تكذيبِ الخبرِ أَو توكيدهِ أَو حتَّى تجاهُلهِ لمصلحةٍ ما إِذا شاءَت!

  ج/ مُشاركة الأَخبار، حتَّى إِذا كانت سيِّئة، هي لتحسينِ الرُّؤية، أَمَّا الجاهِلونَ فيعتبرُونَ ذلكَ نوعٌ من الفضائحِ.

  في المُجتمعاتِ النَّاجحة والمُستقرَّة فإِنَّ المعلومةَ مُشاعة ولذلكَ تختفي الدِّعايات والشَّائِعات، أَمَّا في المُجتمعاتِ الفاشِلة فإِنَّ المعلُومة تختفي لتحلَّ محلَّها الشَّائِعات والأَقاويل وفَوضى الإِعلام!.

  بقيَ أَن أُشيرَ إِلى نُقطةٍ في غايةِ الأَهميَّةِ وهي:

  بدلاً من أَن ينشغِلَ المعنيُّ بالمعلومةِ الخاصَّةِ والحصريَّةِ، بالتَّفتيشِ في النَّوايا والطَّعنِ بها وتحريكِ الذُّبابِ الأَليكتروني لمُلاحقةِ النَّاشرِ أَو تحريكِ دعاوى قضائيَّةً ضدَّهُ في كُلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ! عليهِ ان ينشغِلَ في توظيفِ المعلومةِ لتحسينِ الأَداءِ لتحويلِ الفشلِ إِلى نجاحٍ وتوسيعِ دائِرةِ الإِنجازاتِ!.

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
كلمات مفتاحية
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!