- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
سكوت القاضي عن التكليف بتقديم دعوى عدم دستورية القانون
بقلم: د. علي هادي عطيه الهلالي/ عميد كلية القانون– جامعة بغداد
إذا كان القضاء الدستوري ينشأ ويعمل باستقلالية عن القضاء العادي بيد إنه مما لا شك فيه أن التكامل والتعاون بينهما أمراً راسخاً وبخاصة إذا ما كان القضاء العادي محركاً للدعاوى التي ينظرها القضاء الدستوري ، وبدونه لا يباشر القضاء الدستوري مهامه في احيان كثيرة سواء أكانت احالة الطعون بعدم دستورية القانون المثارة أمام القضاء العادي بدفع أم بقناعة القاضي العادي بدون دفع، بل أن مما لا شك فيه أن حماية علو الدستور واجباً تلتزم به السلطات كافة واخصها السلطة القضائية طالما تضمنت القوانين والانظمة اجراءات تبين التزامها بذلك الواجب وآليته وآثاره.
ولكن ما تقدم لا يكون مؤداه تداخل اختصاصات القضاء الدستوري والقضاء العادي بل يعني: أن دورهما يتكامل كلما كانت نتائج قرارات القضاء الدستوري مؤثرة في حسم الدعاوى المنظورة امام القضاء العادي، إذ إن علو الدستور وسموه مبدأً ثابتاً في الدساتير، وإن التثبت من ضمانة ذلك العلو والسمو يعود الى القضاء الدستوري دون غيره.
والتأثير المتقدم أو الارتباط بين الدعوتين الدستورية وتلك المنظورة أمام القضاء العادي يجب أن يكون حقيقياً غير متوهماً أو نظرياً مجرداً من أي مفاعيل عملية وإلا كانت إحالة القاضي العادي لطلب البت بالدستورية إحالة من غير مختص، وطلباً غير مبرر، لذا أوجب النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا شرط الارتباط عندما تقتنع محكمة الموضوع من تلقاء نفسها بتحريك الرقابة الدستورية "بالتعلق" عندما نص صراحة على: " نص في قانون أو نظام يتعلق بتلك الدعوى"((1))، وَوَكَدَ الوصف نفسه عندما يدفع أي من الخصوم بعدم الدستورية في دعوى منظورة ((2))، ووكدت المحكمة تمسكها بشرط الترابط لقيام واجب القضاء العادي باحالة الدفع بعدم الدستورية في مناسبات عدة ((3)).
ولكن إن كان النظام الداخلي الجديد للمحكمة الاتحادية العليا رقم 1 لسنة 2022 قد حدد المدة التي يمكن لمحكمة الموضوع أن ترفض الدعوى المتضمنة الدفع بعدم دستورية نص متعلق في دعوى منظورة خلال ثلاثة أيام من تقديم الدعوى التي ستكلف الدافع بتقديمها ((4))، ورتب على سكوت المحكمة برفضها أو قبولها نتيجة إمكانية الطعن بسكوتها أمام المحكمة الاتحادية العليا خلال سبعة أيام من تاريخ انتهاء مدة الثلاث أيام المحددة لحسمها برفض أو قبول الدعوى المتضمنة مضمون الدفع ((5))، ولكن النظام لم يحدد صراحة المدة التي تلتزم بها محكمة الموضوع بتكليف الدافع بتقديم الدعوى بعد اثارته الدفع بعدم الدستورية، بالرغم من كون النظام قد وضع سقفاً زمنياً ومدة قصوى لإقامة الدعوى من قبل الدافع بعدم الدستورية أمدها عشرة من تاريخ الدفع بعدم الدستورية ((6))، مفترضاً أن المدة كافية لتقديم الدعوى ولكن بشرط أن يكلف قاضي الموضوع الدافع بعدم الدستورية، ولكن المدة نفسها ستعد مدة سقوط في تقديم الدعوى في حالة سكوت القاضي عن التكليف.
إن اشكالية سكوت القاضي عن التكليف بتقديم الدعوى المتضمنة عدم دستورية نص متعلق بدعوى منظورة أمامه تحيط به احتمالات عدة: فهو إما أن يكون غير متصور الحدوث وبالنتيجة فإن النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا لم ينظمه أو أن النظام افترض أن أي طلب يتقدم به أحد طرفي الدعوى المنظورة يتضمن دفعاً بعدم الدستورية فهو طلب ملزم لقاضي الموضوع ويترتب عليه التكليف بتقديم الدعوى، وبالتأكيد لا يمكن قبول فكرة أن جميع ما يطلبه المتداعين ملزم لقاضي الموضوع، إذ ان مساحة السلطة التقديرية في قبول الطلبات ورفضها لا تضيق بحجة أنها متضمنة دفعاً بعدم الدستورية، لذا قد يكون الفرض قائما على كون سكوت قاضي الموضوع عن تكليف مقدم الطلب أو الدافع يعد رفضاً وبالنتيجة لا تكليف بتقديم الدعوى المتضمنة عدم دستورية النص، ويمكن لمقدم الطلب أو الدافع أن يطعن بالسكوت عند حسم الدعوى المنظورة بشكل نهائي، كون السكوت بوصفه رفضاً ضمنياً للطلب أو الدفع يعد قراراً اعدادياً ولا يمكن أن يخضع للطعن به كونه غير حاسم للدعوى المنظورة.
ان سكوت قاضي الموضوع بحسب ما تقدم قد يستمر لغاية حسمه الدعوى المنظورة أو تحول السكوت الى تكليف الدافع بتقديم دعواه ولكن بعد فترة طويلة من المضي بالدعوى المنظورة، مما يفوت حقاً على الطاعن بالاستفادة من تقرير عدم الدستورية، وما يترتب على ذلك من أثر في نتيجة دعواه الأصلية، ولاسيمَّا أن حسم الدعوى الأصلية وربما اكتساب القرار درجة البتات سوف لن يتأثر بأي قرار للمحكمة الاتحادية العليا في المستقبل بعدم الدستورية، ولاسيمَّا أن قرارات المحكمة لا تسري، غالباً، بأثر رجعي، ولا تأثير لها في الأحكام القضائية الباتة، والمراكز القانونية المستقرة.
إن تجاوز الاشكالية المتقدمة إما أن يكون بوصف سكوت قاضي الموضوع بانه امتناع عن احقاق الحق وبخاصة إذا وصف سكوته بوصف "التاخير غير المشروع عن اصدار الحكم" ((7))، أو أن نتحول بصياغة النظام الداخلي، مستقبلاً، ونضع اشكالية سكوت القاضي عن التكليف بالدعوى المتضمنة دفعاً بعدم الدستورية بالتنظيم نفسه لسكوته عن اجابتها بعد تقديمها، إذ فرضية السكوت متصورة وتقطع الطريق أمام تكامل القضاء العادي مع القضاء الدستوري في حماية الدستور.
الهوامش:
((1)) المادة /18-أولاً من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا بالرقم 1 لسنة 2022.
((2)) المادة /18-ثانياً من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا بالرقم 1 لسنة 2022.
((3)) مثلما قضت: "أما الدفع المقدم فيها كون إيقاع الطلاق بالوكالة الواردة في الفقرة /ثانياً/ من المادة 34 من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل مخالفة لاحكام المادة 41 من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 فان هذا الدفع لا علاقة له بمتطلبات حسم الدعوى الشرعية المشار اليها آنفاً" انظر: قرار المحكمة الاتحادية العليا القضية بالعدد 33 /اتحادية/طعن/2011 في 22-6-2011.
((4)) المادة/ 18-ثالثاً من النظام الداخلي رقم 1 نفسه.
((5)) المادة/ 18-خامساً من النظام الداخلي رقم 1 نفسه.
((6)) المادة/ 18-ثانياً من النظام الداخلي رقم 1 نفسه .
((7)) المادة/30 من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 نفسه.
أقرأ ايضاً
- إطلالة على عالم الشهداء.. عن ثقافة الاستشهاد وقصور الجانب الأدبي وتأخر التوثيق
- معالم الشخصية المنافقة والحديث عن أزمة الثقة
- اجتماع النقيضين في القانون المدني العراقي