سالم مشكور
خلال الثمانينات انتشرت نكتة تقول إن مسؤولين يابانيين سألوا وفداً اقتصادياً من دولة شرق اوسطية كان يزر طوكيو عمّا موجود في بلد الوفد من ثروات طبيعية ومواد إولية ومصادر طاقة، فشرع الوفد بالتعداد: نفط، غاز، يورانيوم، مناجم الحديد والذهب والكبريت والفحم الحجري وباقي المعادن الثمينة، أراضٍ خصبة وأنهار، و...الخ. تقول النكتة إن المضيّفين اليابانيين أصيبوا بالذهول لما أنعم الله به من الثروات على هذا البلد فسألوهم: أكلُّ هذه الموارد عندكم وما زلتم دولة متخلفة؟. استطردوا: لو كان بلدكم بيدنا لجعلناه مثل اليابان في عام واحد فقط. هنا -تقول النكتة- ضحك الوفد الشرق أوسطي وأجاب: نحن أيضا لو كانت يابانكم بأيدينا لجعلناها مثل بلدنا ولكن في ستة أشهر فقط".
لهذه النكتة دلالات واسعة وعميقة تجعلها تغني عن دراسة بأكملها: خلاصة المشكلة في دولنا هي: سلطات تحكم ولا تبني، وشعوب تنتج هؤلاء الحكام من منظومة جهل وقيم بالية وانماط علاقات معرقلة لأي تطوير، والنتيجة: ثروات وموارد كبيرة ومتنوعة وبلدان متخلفة تعيش الجهل والفوضى والتدمير الذاتي. فاليابان بلد يفتقر الى المواد الأولية والطاقة لكنه امتلك الادارة الحكيمة التي بنت الانسان البنّاء، وشعباً ايجابيّاً يملك إرادة البناء لم يجلس متراخياً ينتظر من يعمل بدلاً عنه، مكتفياً بالتغني بتاريخه. المزيج الياباني والتكامل بين قياداته وشعبه أنتج يابان الْيوم، ولو كانت القيادة وحدها بشعب آخر، او كان شعبها حيويا بنّاءً لكن قيادته من نمط حكومات العالم الثالث لما تحقق ما حققته.
بعد إسقاط نظام صدام حسين، الذي تمر ذكراه الآن، جاءت قوات يابانية غير قتالية واستقرت في محافظة جنوبية. أرادوا المساهمة في الإعمار ودعم الأهالي، وابتكروا أساليب تناسب عقلية الأهالي ومستوى وعيهم من أجل حثهم على العمل والمشاركة في حل مشاكلهم، لكنهم لم يستطيعوا تقديم الكثير. واجهتهم ذات المشاكل التي واجهت وما تزال تواجه الشركات الكبيرة التي تنفذ مشاريع النفط وغيرها في أنحاء البلاد، وتلك التي تخلت عن مشاريعها وانسحبت أو باعت العقود الى شركات متعثرة، وهي ذات الأسباب ومعها أسباب أخرى تجعل المستثمرين يبتعدون عن العراق.
خلال زيارة رئيس الوزراء الى طوكيو مؤخراً جرى الحديث عن تفاهمات مع شركات يابانية لإقامة مصانع في العراق.. خطوة ممتازة، لكن تفعيلها يحتاج الى خطوات تضمن نجاحها: توفير الأمن وحماية الشركات من الابتزاز وباختصار توفير بيئة آمنة لعملها لتنجح وتقوم بتشغيل آلية العاملة العراقية، وفي ذات الوقت، تكون عاملا مشجعاً لمستثمرين عالميين كبار عبر دخول السوق العراقية.
لن ننهض بدون استثمارات خارجية وداخلية كبيرة، وهذه لن تأتي إلّا بتوفير بيئة آمنة لها.
بدون ذلك سنظل واحداً من البلدان الغنية في ثرواتها الغارقة في جهلها وتخلفها.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- التبادل التجاري مع دول الجوار
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟