د. إبراهيم الجعفري
حين تكون الدولة دولة عمل تنتظم مكوناتها مع أولويات الإنتاج بمختلف صنوفه.... وإذا ما تعرضت لحصار ما فلا يزيدها ذلك إلا تمسكاً وإصراراً للتوفّر على أسباب القوة وتحشيد ما لديها من إمكانات للانتقال الى مواقع متقدمة..
قد تتبدل هوية الدولة سياسياً لكنّ هويتها الإنسانية تبقى من حيث الإرادة والحيوية والإبداع وتبقى كما هي ولا تكون إلا أقوى مما كانت عليه. ليس هيّناً ما تعرّض له الاتحاد السوڤياتي من تحوّلٍ جذري أنهى فصل كونه دولة عظمى امتد زمنها من عام 1917 حتى عام 1985 وتغيّر إثرها المعسكر الشيوعي فكراً ودولةً وتنظيماً!!..
لقد عبرت البيروسترويكا بالاتحاد السوڤياتي من شاطئ دول الستار الحديدي المتماسك والمنغلق الى دول الانفتاح ذي الاقتصاد الحر ليعيد بناء نفسه من جديد مواكباً التطورات التي شهدها العالم على كافة الصُعُد الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية مما أثار إعجاب العالم وثقة الأمة بنفسها من جديد..
إعادة الاصطفاف ليس أمراً سهلاً لو لم تسبقه إرادة صلبة وثقافة نوعية ومتنوعة، فالإرادة هي التي تجعل من التغير هدفاً لا يتوقف والثقافة هي التي تمدّ المعاصر من الجيل كامل احتياجاته ومستلزمات حيويته ما يجعله منسجماً مع ذاته وإن اختلف عن تاريخه..
السوق الاقتصادية اختلفت في معاييرها وتغيير وجهتها لتدّخر الإنتاج النوعي والكمي الذي يسد حاجة البلد ويغمر السوق العالمي..
النظرة للدين وابناء الديانات اختلفت وكذلك تحررت المنظومة الفكرية من أسر الحتمية التاريخية وقوانين الديالكتيك لاستلهام العالم الجديد لما اعتادت عليه قرابة الثمانين عاماً دون أن تتعرض الى حربٍ أهلية أو اضطرابات محلية مستحكمة.. الشوارع المكتظة بالسيارات لم تكن تعكس احتكار الصناعة الروسية بمقدار ما عكست الصناعات المختلفة مما يشير الى أن الصناعة الروسية تتنفس برئة مفتوحة ولا تختنق بنتاجها المحلي!!..
ذلك مردّه الى إرادة العمل وثقافة التنوير، فبصمات تنوع السيارات اليابانية والألمانية التي تغمر شوارع موسكو تعكس هذه الحقيقة..