بقلم:عباس الصباغ
شعار راج مؤخرا واصبح "موظة" الموسم الانتخابي الحالي بعد ان طرحته بعض الكتل السياسية وفي مشوارها الماراثوني باتجاه الانتخابات البرلمانية المرتقبة في ايار القادم، شعارا مخمليا ناعما وجذابا عنوانه الكتلة السياسية "العابرة" لجميع التخندقات والاصطفافات والهويات، وتم تسويقه على انه سيكون عصا موسى التي ستلقف جميع الاختلالات البنيوية التي شابت العملية السياسية التي بنيت على اسس دولتية خاطئة وتمأسست على ارضية هشة قوامها التحاصص والتوافق (هذا لي وهذا لك)، وهي بدعة سياسية لم تكن مألوفة سابقا من قبل الاّ اذا اريد لها استنساخ التجربة اللبنانية بنسخة بائسة ورديئة، فتم ذلك فاستمرت لأربعة عشر عاما او ازيد وكانت دون الطموح كونها لم تخلُ يوما من ابشع انواع الفساد في الاداء الحكومي ماليا واداريا وغير ذلك.
وجاء شعار الدعوة الى تشكيل كتلة سياسية "عابرة" ضمن الشعارات الانتخابية الفضفاضة وربما الطوباوية التي اكتظ بها الفضاء الانتخابي والذي كان ومايزال المواطن العراقي يأمل خيرا منه وينتظر تحقيق الحد الادنى او "الصادق" منها في الاقل من تلك الشعارات التي طالما رفعتها الكتل السياسية في الدورات الانتخابية السابقة، والتي مازالت تتوالد وتتناسل وتتشاطر وتتآلف او تتحالف ولم تتضح لحد الان الصورة النهائية لبوصلة توجهاتها، ولكن هذا الطرح الشعاراتي المخملي الجديد كان يفترض العمل به غداة تأسيس العملية السياسية بعد التغيير النيساني 2003 ليكون خارطة طريق تأسيسية لها، ولكنه جاء وللاسف من كتل هي نفسها لم تغادر بعدُ اصطفافاتها الاثنية والكتلوية والمناطقية ومازالت تدور بذات الفلك الذي دارت فيه لأكثر من عقد ونيف فبقيت النتائج السلبية نفسها.
فاعتماد مبدأ الكتلة "العابرة" معيارا انتخابيا لايجب ان يكون شعارا انتخابا يدغدغ مخيلة الناخب لكسب المزيد من الاصوات فحسب، بل يجب ان يكون برنامجَ عمل حقيقيا لاي كتلة سياسية تنوي تصحيح مسارها القديم والخاطئ، لان التحالفات الجهوية قد تجاوزها الزمن ولم تعد محط اهتمام أو احترام الشارع العراقي الذي فقد ثقته بها، والمطلوب في المرحلة المقبلة تحالفات سياسية قوية من كتل برلمانية أكثر انسجاماً، ويجب إعادة تشكيل الخريطة السياسية العراقية على أسس جديدة هدفها المصلحة الوطنية العليا اولا وخدمة المواطن ثانيا، وليس سهلا بالمرة إمكانية تحقق هذ الشعار حرفيا وبجرة قلم، بسبب طبيعة الكيانات السياسية التي اعتمدت في ايديولوجياتها مقدمات مذهبية وإثنية محددة كالكيانات الموجودة الان والتي تؤلف النسيج العام للعملية السياسية وتشكل القاعدة الرئيسية للانتخابات القادمة.
ويبقى السؤال كيف تتجاوز عملية سياسية كهذه قامت على اسس طائفية وجهوية واثنية ومناطقية، تلك العقد التأسيسية في ليلة وضحاها او لمجرد بروباغاندا انتخابية او لمجرد "نية" مبيتة لذلك ولاتبنى العملية السياسية بالنيات.
الكثير من الكتل لم تستقر لحد الان على خارطة انتخابية نهائية ومازالت تشهد انشطارات أميبية من جهة وتحالفات كتلوية من جهة اخرى بسبب عدم الانسجام الداخلي بين مكونات تلك الكتل او مع شوارعها او مع منظومة تحالفاتها القديمة التي بنيت اساسا على ذات النسق الجهوي / الكتلوي الضيق، فهل يقدر لها ان تتحرر من خنادقها القاتمة التي وضعت نفسها فيه وتتجه الى الافق الوطني الرحيب ؟
والجواب ستكشف نتائج الانتخابات عنه.
أقرأ ايضاً
- الحجُّ الأصغرُ .. والزِّيارةُ الكُبرىٰ لِقاصِديِّ المولىٰ الحُسّين "ع"
- جريمة عقوق الوالدين "قول كريم بسيف التجريم"
- سموم "البعث" وبقايا شخوصه