- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
كيف يتم تنظيم وتوزيع المهام الدبلوماسية في الدولة؟
بقلم: د.حنا عيسى - أستاذ القانون الدولي
الحاكم كالنار إذا ابتعدت عنه تبرد وإذا اقتربت منه تحترق (مثل مدغشقري)
حينما ينعم الحاكم في أي دولة بالترف والنعمة، تلك الأمور تستقطب إليه ثلة من المرتزقين والوصوليين الذين يحجبونه عن الشعب، ويحجبون الشعب عنه، فيصلون له من الأخبار أكذبها، ويصدون عنه الأخبار الصادقة التي يعاني منه الشعب (ابن خلدون)
"فن الحكم يقتضي ألا تدع الرجال يهرمون في مواقعهم " (نابليون بونابرت)
أيا كان نظام الحكم في الدولة وكيفية توزيع مهامه, وايا كان قدر مساهمة الشعب في الشؤون العامة، وايا كان دور رجال الحكم في المعرفة بشؤون السياسة الخارجية, فلابد من وجود تنظيم خاص لهذه الشؤون يكفل بصفة دائمة الاشراف عليها وادارتها وفق القواعد والاساليب المتعارف عليها بين الدول.
ويقوم على رأس هذا التنظيم رئيس الدولة, فهو بوصفه رمز السلطة العامة في دولته, يعتبر ممثلها الاصيل في المحيط الدولي, واليه المرج في تصريف شؤونها وادارة علاقاتها مع الدول الاخرى. انما لما كان لا يمكن عملاً لرئيس الدولة ان يضطلع بنفسه بكافة مهام دولته, فقد جرت الدول من قديم على توزيع هذه المهام على ادارات كبرى يتولى امرها نيابة عن رئيس الدولة اشخاص يتمتعون بثقته ويحملون لقب الوزراء, او غير ذلك من الالقاب التي تدل على مهمتهم كسكرتيري الدولة في الدول الانجلوسكسونية. ومن بين هؤلاء الاشخاص من تتناول مهمته ادارة علاقات الدولة بغيرها من الدول ويعرف بوزير الشؤون الخارجية. فوزير الشؤون الخارجية يلي اذا رئيس الدولة في التنظيم وينوب عنه في القيام بمختلف المهام المتصلة بهذه الشؤون.
على ان وزير الخارجية بدوره لا يستطيع مادياً ان يتولى بنفسه رعاية كافة مصالح دولته لدى جميع الدول التي تكون على علاقات بها, ولا ان يقوم شخصياً بالتفاوض في مختلف المسائل النتفرعة عن هذه العلاقات مع المسؤولين في كل من تلك الدول, فضلاً عن انه كثيراً ما تسجل امور او تطرأ احداث تتطلب اهميتها او خطورتها او صفتها العاجلة سرعة التشاور فيها بين الدول صاحبة الشأن, وقد لا يتسير لوزراء خارجية هذه الدول اللقاء في الوقت المناسب لاجراء هذا التشاور فيما بينهم, او قد يكون اللقاء الشخصي بين هؤلاء الوزراء غير مرغوب فيه لاعتبارات خاصة او ظروف معينة. ولقد اقتضت هذه الاوضاع والاحتمالات منذ القرن السادس عشر ان يكون للملوك ممثلين دائمين لدى حكومات مختلف الدول التي تربطهم بها علاقات او مصالح على قدر ما من الاهمية, على ان يتبع هؤلاء الممثلين من الناحية الادارية وزير الشؤون الخارجية. ويطلق على هؤلاء الممثلين وصف المبعوثين الدبلوماسيين.
وعلى هذا يكون تصريف شؤون الدولة الخارجية وما يتصل بها من مهام دبلوماسية موزعاً على وجه التدرج بين رئيس الدولة في القمة, يليه وزير الشؤون الخارجية فالمبعوثين الدبلوماسيين.
غير انه بجانب المصالح العليا للدولة التي يضطلع بها هؤلاء والتي يغلب عليها عادة الطابع السياسي, فان علاقات الدولة بغيرها من الدول لها كذلك نواحٍ اقتصادية واجتماعية تتطلب وجود من يشرف عليها بصفة خاصة نيابة عن الدولة ويتولى توجيهها على النحو الذي يحقق مصالحها. ولهذا وجد نظام التمثيل القنصلي, يتولاه اشخاص يطلق عليهم اسم "القناصل" ويقومون نيابة عن دولتهم برعاية شؤونها الاقتصادية والتجارية في البلد الاجنبي الذي يمارسون فيه مهمتهم, كما يقومون برعاية شؤون ومصالح مواطنيهم الذين يوجدون في دائرة عملهم. وخلاف هذا التمثيل الدائم للدولة في صورة المتقدمة, وقد تقتضي ظروف ما ان تبعث الدولة بممثلين اخرين عنها بصفة خاصة ومؤقتة للقيام بمهمة معينة محددة, وهؤلاء تتحدد صفتهم واختصاصاتهم تبعاً للمهمة الموكلة اليهم.
--
أقرأ ايضاً
- كيف تكفي 10 دولارات احتياجات المواطن؟
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية