- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الفتوى السيستانيّة بذكراها الثالثة !.
حجم النص
بقلم: نجاح بيعي. بانطلاق فتوى " الجهاد الكفائي " في يوم 13 حزيران 2014م من الصحن الحسينيّ الشريف , إنطلق الزلزال الكبير المتمثل بتلبية الشعب العراقي , لردع أعتى منظومة إجراميّة عالميّة في هذا العصر , ألا وهي تنظيمات عصابات " داعش ". والفتوى لم تكن لتأتي من المرجعيّة العليا كردّة فعل آنيّة مستعجلة , بل جاءت نتيجة قراءة مستفيضة , عميقة ومتأنية لمجمل سير الأحداث السياسيّة والأمنيّة والإجتماعيّة داخل العراق وخارجه, خصوصا ً لحقبة ما بعد عام 2003 م وإرهاصاتها. فالمرجعيّة العليا أثبتت بشكل جلي , أنها ليست فقط كانت تراقب الأحداث عن كثب على نحو الإجمال , بل كانت تراقبها وتتابعها من منطلق علمها بدقائق الأمور وأدقّ التفاصيل , بحكم مركزها الديني وموقعها والتاريخي والاجتماعي. لذا فمن الصعب أحياناً الوقوف , على مضامين ومطاليب المرجعيّة من خلال فتاواها المتعددة ومواقفها المتنوعة أزاء الأحداث المختلفة , ربما لقصورنا وتقصيرنا في فهم أبعاد الحدث والفتوى معا ً. وإذا ما رجعنا الى نص خطبة الفتوى الجهادية , في صلاة جمعة 13/6/2014م , وقرأناها قراءة واعيّة متأنيّة , وأمعنّا النظر بفقراتها المتسلسلة نجد أن المرجعية العليا قد شخّصت (التحدّي) الذي يواجه العراق والعراقيين , واقع على نوعين من التحديات لا ثالث لهما: ـ الأول: ظاهر جلي. أسمته بـ (الإرهابيين المعتدين) ووصفته بـ (التحدّي الكبير والخطر العظيم) وهذا يجب مقاتلته لا محالة لحفظ العراق ومقدساته. ـ الثاني: مُستتر خفي. أسمته بـ (القيادات السياسيّة) المتصديّة للشأن السياسي , والخطاب وضعهم أمام مسؤوليّة وطنيّة , وشرعيّة وصفتها بـ (الكبيرة)!. في إشارة إلى أنهم السبب المباشر في تردّي الأوضاع (وهو ممّا لا يخفى), والغير مباشر الذي مهدّ لدخول داعش الى العراق!. ولإدراك واستيعاب هذا المطلب , نلحظ أن المرجعيّة العليا قد وجّهت خطابها ليشمل فئات أربع وهي: أ ــ الشعب العراقي على النحو العام. ب ــ المواطنون على النحو الخاص. ج ــ القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. د ــ القيادات السياسية. فبعد أن استهلّت المرجعيّة الخطاب , بحثّ العراقيين جميعاً على الشجاعة وشحذ الهمم , ودعتهم بأن يكون لديهم الوعي الكافي ,بعمق المسؤوليّة الشرعيّة والوطنيّة الملقاة على عاتقهم , كانت قد أعطت لكلّ ٍ دوره ومسؤوليته بـ (مقتضى حاله). لذا نجد المرجعيّة قد جمعت الفئات الثلاث الأولى (أ + ب + ج) وهي الشعب العراقي , والمواطنين , والقوات المسلحة بـ (مقتضى الحال) وشملتهم بخطاب واحد ذا مهمة واحدة مقدّسة هي " القتال".والدفاع عن هذا الوطن وأهله وأعراض مواطنيه. لماذا ؟.. لشمولهم بالتحدّي والخطر المداهم لهم جميعا ً , والذي وصفته بالكبير والعظيم المتمثل بعصابات داعش. حيث قالت: " إنّ طبيعة المخاطر المحدقة بالعراق وشعبه في الوقت الحاضر (تقتضي) الدفاع عن هذا الوطن وأهله وأعراض مواطنيه وهذا الدفاع واجب على المواطنين بالوجوب الكفائي.. وإنّ من يضحّي منكم في سبيل الدفاع عن بلده وأهله وأعراضهم فإنّه يكون (شهيداً) إن شاء الله تعالى "!. في حين نراها قد عزلت الفئة الرابعة (د) وهي القيادات السياسيّة من مهمة القتال المقدّس. حيث كان " مقتضى الحال " لديهم لم يكن إلا ّ في ترك الاختلافات والتناحر فيما بينهم , خلال هذه الفترة التي وصفتها المرجعيّة بـ (العصيبة) , ودعتهم الى دعم القوات المسلحة من خلال توحيد موقفهم (المشتت) وكلمتهم (المبعثرة). حيث قالت: " إنّ القيادات السياسية في العراق , أمام مسؤولية وطنية وشرعية كبيرة , وهذا (يقتضي) ترك الاختلافات والتناحر خلال هذه الفترة العصيبة , وتوحيد موقفها وكلمتها ودعمها وإسنادها للقوات المسلحة.. "!. إذن.. السرّ في عزل المرجعيّة العليا , للقيادات السياسيّة وعدم شمولها بالخطاب الموحد مع باقي الفئات , هو من منطلق " فاقد الشيء لا يُعطيه ". لعلمها بانغماسهم بالصراعات والمناكفات السياسيّة التي أودت بالبلد إلى ما هو عليه من التردّي والتمزق والتشظّي المدمر , حتى صاروا مسوغا ً لدخول داعش وتمكنه من احتلال ثلثي أرض العراق!. ــ والدليل.. هو ما أشارت اليه المرجعية العليا في وقت سابق , خلال أجاباتها على أسئلة الصحافة الفرنسيّة في 20 / 8 / 2015م حيث قالت: " إنّ السياسيين الذين حكموا البلاد خلال السنوات الماضية يتحمّلون معظم المسؤولية عمّا آلت إليه الامور.."!. ــ بل وحملتهم مسؤوليّة تمكين داعش للعراق حيث قالت: " لولا استشراء الفساد في مختلف مؤسسات الدولة ولاسيّما المؤسسة الأمنية، ولولا سوء استخدام السلطة ممن كان بيدهم الأمر , لما تمكّن تنظيم داعش الإرهابي من السيطرة على قسمٍ كبيرٍ من الأراضي العراقية، ولما كانت هناك حاجة الى دعوة المرجعية العليا للعراقيين الى الالتحاق بالقوّات المسلّحة للدفاع عن الأرض والعِرض والمقدّسات "!. ــ لذا.. فالفتوى " السيستانيّة " وبذكراها الثالثة , كانت قد أشارت إلى أن القيادات السياسيّة , هي ثاني أكبر تحدّي خطير بعد داعش!.