حجم النص
بقلم اسعد عبد الله عبد علي اتفقت مع صديقي الكاتب حيدر حسين سويري, للانطلاق نحو شارع المتنبي, فالجمعة هو موعد البغداديين في شارع المتنبي, مع إنه كان يوما حارا, لكن كان يجب فك حصار الروتين الأسبوعي, برحلة خارج نطاق الملل, وصلنا مبكرين جدا, فيبدو أن الحر قد منع الكثيرون, من مغادرة البيوت, حيث فضلوا الخلود للراحة, بدل الوقوع تحت حرارة شمس أيار. توقف صديقي "سويري" عند ساحة الميدان, حيث تتحول الساحة يوم الجمعة لسوق, فيأتي الناس ليبيعوا ما لا يحتاجوه في بيوتهم, لغرض كسب مبالغ تعينهم في توفير حاجات بيوتهم, فهذا يبيع كتب قديمة, وذاك معالق, وأخر يبيع أحذية مستعملة, كل همهم الحصول على مبلغ, يرجعون به لبيوتهم, كي يستطيعوا شراء الخضار لأسرهم, فهل يفهم الساسة "النبلاء جدا جدا", حجم ما فعلوه من جريمة بحق الشعب, بلد يكاد يدمر, بفعل الإدارة الفاشلة له. كانت لي حركة كبيرة في شارع المتنبي, لكن ثلاث محطات استوقفتني, وهي خارج برنامج الندوات والنقاش, لما وجدته من أهمية وقيمة عظيمة لها. المحطة الأولى: "الفلافل". كان العمل الأول المهم, الذي يجب أن أنجزه, هو أن أسرع لمحل الفلافل, الواقع في شارع الرشيد, كي أتصبر بلفة الفلافل, لباقي نهار المتنبي, فالجوع لا يرحم, والفلافل تتناسب مع رصيدي المالي, فنحن من ذوي الدخول المحدودة, بحسب قانون الرواتب الظالم, الذي أسسه النظام الديمقراطي, والذي يجيز للبرلماني استلام 40 مليون دينار, عن جهد تافه, لا يساوي خمسون ألف دينار بميزان العدل, وبالمقابل فرض القانون الظالم لي ستمائة إلف دينار, فانظر للبون الشاسع, أننا في بلد الشياطين, وليس السياسيين. وأخيرا وصلت, لمحل الفلافل, حيث يقدم فلافل من عالم أخر, تغنيك عن أشهى المأكولات, ففي حضرت الملكة ((الفلافل)), من المستحيل أن تفكر بشيء أخر, مثل الكباب أو الشوارمة أو حتى "الباجة", فان للفلافل هيبة شديدة, ولن يفهمها ألعبادي أو خضير الخزاعي او حتى المطلك, لأنهم سجناء حصونهم النتنة. المحطة الثانية:"أفكار الشاب جاسم". الشاب جاسم جاء بفكرة كبيرة, غابت حتى عن وزارة الثقافة " الوزارة البائسة جدا", حيث قرر هو أصدقائه, جلب مجموعة كبيرة من الكتب, بشتى صنوف المعرفة, وعرضها للتداول والتبادل وليس للبيع, حيث رفع لافته باللهجة العراقية (اخذ كتاب, وخلي كتاب), أي يمكن لأي شاب أن يأخذ أي كتاب يعجبه, بشرط أن يضع مكانه كتاب, أي أنها عملية تبادل مجانية للكتب, أنها فكرة كبيرة, والأجمل انه سعى لتنفيذها مع أصدقائه, لمساعدة من يصعب عليه الحصول على كتاب, حتى إنني استبدلت رواية المرسال لماركيز بمجموعة قصصية لعلي جابر, هكذا أفكار يجب أن تكبر, ويشجع عليها الشاب جاسم, وان تحتضنه المؤسسات, لان جاسم يفكر, بعكس الخبراء والمستشارين في وزارة الثقافة. فكرة أعظم من وزارة بكاملها, لأنها تنفع الناس, وتسهل عليهم الحصول على الكتب, والكتاب هو طريقنا لعبور أزماتنا. المحطة الثالثة: "الحاج المسن, بائع عصير ألنومي بصرة" قرب بوابة القشلة, يتواجد عجوز سبعيني, بعربته الخشبية, حيث يبيع عصير (نومي بصرة), وقد اهتم بالعربة حيث جعل الزهور تغطي مقدمتها, كتعبير للتحضر, ورسالة لدور العمل الشريف في حياتنا, ومع تعب السنين الظاهر عليه, لكنه يجتهد كي يكسب الرزق الحلال, حتى أصبح علامة مهمة لشارع المتنبي, هذا الرجل الشريف. بالمقابل نجد برلمانيين اغلب أوقاتهم عطلة, ويتجاهلون عن قصد أقرار القوانين الهامة, وينصب جهدهم في تشريع قوانين تضمن لهم استمرار رغد عيشهم, أو تشريع قوانين سخيفة كقانون الطيور المهاجرة, انظر للبون الشاسع بين العجوز بائع العصير الشريف, الذي لا يأكل إلا من كد يده, وبرلمانيون ببدلات رسمية, وسيارات دفع رباعي, وحاشية وخدم وحمايات, وهم يكسبون المال الكثير, مقابل الدمار الذي نجحوا في تقديمه للوطن. في ميزان العدل والإنسانية, هذا العجوز أعظم من قادة الكتل, واشرف من وزراء الفشل, وارفع قيمة من كل شخوص البرلمان. انتهى برنامج شارع المتنبي, وعدنا أنا وصديقي "سويري", عسى أن تتكرر الرحلة قريبا.
أقرأ ايضاً
- لا مكان لـ "حُسْن الظن" في السياسة
- السياسة تتدحرج نحو الهاوية.. ومصير العراق على المحك !
- اصلحوا السياسة المالية واحموا المصارف العراقية